على متن الرّيح العاصفة ، والزّعزع القاصفة. فأمرها بردّه (١) وسلّطها على شدّه ، وقرنها إلى حدّه. الهواء من تحتها فتيق (٢) والماء من فوقها دفيق. ثمّ أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبّها (٣) وأدام مربّها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشأها ، فأمرها بتصفيق الماء الزّخّار (٤) وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السّقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء. تردّ أوّله إلى آخره ، وساجيه إلى مائره (٥). حتّى عبّ عبابه. ورمى بالزّبد ركامه ، فرفعه فى هواء منفتق
__________________
(١) امرها برده ، أى : منعه من الهبوط ، لأن الماء ثقيل وشأن الثقيل الهوى والسقوط ، وسلطها على شده ، أى : وثاقه ، كأنه سبحانه أوثقه بها أو منعه من الحركة إلى السفل التى هى من لوازم طبعه ، وقرنها إلى حده ، أى : جعلها مكانا له أى : جعل حد الماء المذكور ، وهو سطحه الأسفل ، مماسا لسطح الريح التى تحمله أو أراد من الحد المنع ، أى : جعل من لوازمها ذلك.
(٢) الفتيق : المفتوق ، والدفيق : المدفوق.
(٣) اعتقم مهبها : جعل هبوبها عقيما ، والريح العقيم التى لا تلقح سحابا ولا شجرا وكذلك كانت هذه ، لأنها أنشئت لتحريك الماء ليس غير ، والمرب مصدر ميمى من «أرب بالمكان» مثل ألب به ، أى : لازمه ، فأدام مربها ، أى : ملازمتها أو أن أدام من أدمت الدلو ملأتها ، والمرب ، بكسر أوله : المكان والمحل.
(٤) تصفيقه : تحريكه وتقليبه ، ومخضته : حركته بشدة كما يمخض السقاء بما فيه من اللبن ليستخرج زبده ، والسقاء : جلد السخلة يجذع فيكون وعاء للبن والماء جمعه أسقية وأسقيات وآساق. و «عصفت به الخ» الريح إذا عصفت بالفضاء الذى لا أجسام فيه كانت شديدة لعدم المانع. وهذه الريح عصفت بهذا الماء ذلك العصف الذى يكون لها لو لم يكن مانع.
(٥) الساجى : الساكن ، والمائر : الذى يذهب ويجىء ، أو المتحرك مطلقا. وعب