حتّى أورى قبس القابس ، وأضاء الطّريق للخابط (١) وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن ، وأقام موضحات الأعلام ، ونيّرات الأحكام ، فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون (٢) ، وشهيدك يوم الدّين (٣) وبعيثك بالحقّ (٤) ، ورسولك إلى الخلق. اللّهمّ افسح له مفسحا فى ظلّك (٥) ، واجزه
__________________
والقدم ـ بضمتين ـ المشى إلى الحرب ، ويقال : مضى قدما ، أى : سار ولم يعرج والواهى : الضعيف. واعيا : أى حافظا وفاهما ، تقول : وعيت الحديث ، إذا حفظته وفهمته. و «ماضيا على نفاذ أمرك» أى : ذاهبا فى سيره على ما فيه نفاذ أمر اللّه سبحانه
(١) يقال : ورى الزند ـ كوعى ـ وورى ـ كولى ـ يرى وريا وريا ورية فهو وار : خرجت ناره ، وأوريته ووريته واستوريته. والقبس : شعلة من النار ، والقابس : الذى يطلب النار ، يقال : قبست نارا فأقبسنى ، أى : طلبت منها فأعطانى والكلام تمثيل لنجاح طلاب الحق ببلوغ طلبتهم منه وإشراق النفوس المستعدة لقبوله بما سطع من أنواره ، والخابط : الذى يسير ليلا على غير جادة واضحة ، فأضاء الطريق له : جعلها مضيئة ظاهرة ، فاستقام عليها سائرا إلى الغاية ، وهى السعادة فكان من ذلك أن هديت به القلوب إلى ما فيه سعادتها ، بعد أن خاضت الفتن أطوارا ، واقتحمتها مرارا ، والخوضات : جمع خوضة ، وهى المرة من الخوض ، كما قال : «وهديت به القلوب ـ الخ». والأعلام : جمع علم ـ بالتحريك ـ وهو ما يستدل به على الطريق كالمنار ونحوه ، والأعلام موضحات الطرق لأنها تبينها للناس وتكشفها
(٢) العلم المخزون : ما اختص اللّه به من شاء من عباده ، ولم يبح لغير أهل الحظوة به أن يطلعوا عليه ، وذلك مما لا يتعلق بالأحكام الشرعية
(٣) شهيدك : شاهدك على الناس ، كما قال اللّه تعالى : «فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنٰا بِكَ عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِيداً»
(٤) «بعيثك» ، أى : مبعوثك ، فهو فعيل بمعنى مفعول كجريح وطريح
(٥) افسح له : وسع له ما شئت أن توسع «فى ظلك» أى : إحسانك وبرك ، فيكون الظل مجازا ، ومضاعفات الخير : أطواره ودرجاته