وخصيما (١) أوصيكم بتقوى اللّه الّذى أعذر بما أنذر ، واحتجّ بما نهج (٢) وحذّركم عدوّا نفذ فى الصّدور خفيّا ، ونفث فى الآذان نجيّا (٣) فأضلّ وأردى ووعد فمنّى ، وزيّن سيّئات الجرائم ، وهوّن موبقات العظائم ، حتّى إذا استدرج قرينته (٤) ، واستغلق رهينته ، أنكر ما زيّن (٥) ، واستعظم ما هوّن وحذّر ما أمّن.
ومنها فى صفة خلق الانسان :
أم هذا الّذى أنشأه فى ظلمات الأرحام (٦) وشغف الأستار ، نطفة دهاقا (٧)
__________________
(١) الكتاب : القرآن ، و «حجيجا وخصيما» أى : مقنعا لمن خالفه بأنه قد جلب الهلاك على نفسه ، وقد يراد من الكتاب ما أحصى من الأعمال على العامل إذا عرض عليه يوم الحساب.
(٢) أعذر بما أنذر ، «ما» مصدرية ، أعذر : أى سلب عذر المعتذر بانذاره إياه بعواقب العمل ، وقامت له الحجة على الضالين بما نهج ووضح من طرق الخير والفضيلة
(٣) ذلك العدو هو الشيطان ، و «نفذ فى الصدور ـ الخ» : تمثيل لدقة مجارى وسوسته فى الأنفس ، فهو فيما يسوله يجرى مجرى الأنفاس ، ويسلك بما يأتى من مسالك الأصدقاء كأنه نجى يسارك ، وينفث فى أذنك بما تظنه خيرا لك ، وأردى أهلك ، و «وعد فمنى» أى : صور الأمانى كذبا
(٤) القرينة : النفس التى يقارنها بالوسوسة ، واستدرجها : أنزلها من درجة الرشد إلى درجته من الضلالة ، واستغلق الرهن : جعله بحيث لا يمكن تخليصه
(٥) «أنكر ـ الخ» بيان لعمل الشيطان وبراءته ممن أغواه عند ما تحق كلمة العذاب
(٦) «أم» بمعنى بل الانتقالية ، بعد ما بين وصف الشيطان انتقل لبيان صفة الانسان. و «شغف الأستار» : جمع شغاف ـ مثل سحاب وسحب ـ وهو فى الأصل غلاف القلب ، استعاره للمشيمة
(٧) دهاقا : متتابعا «دهقها» أى : صبها بقوة. وقد تفسر الدهاق بالممتلئة ، أى :