وعلقة محاقا ، وجنينا وراضعا ، ووليدا ويافعا ، ثمّ منحه قلبا حافظا ، ولسانا لافظا ، ليفهم معتبرا ، ويقصّر مزدجرا ، حتّى إذا قام اعتداله ، واستوى مثاله (١) نفر مستكبرا ، وخبط سادرا (٢) ماتحا فى غرب هواه (٣) كادحا سعيا لدنياه ، فى لذّات طربه ، وبدوات أربه ، لا يحتسب رزيّة (٤) ولا يخشع تقيّة ، فمات فى فتنته غريرا ، وعاش فى هفوته يسيرا ، لم يفد (٥) عوضا ، ولم يقض مفترضا ، دهمته (٦) فجعات المنيّة فى غبّر جماحه ، وسنن مراحه ،
__________________
ممتلئة من جراثيم الحياة ، و «علقة محافا» أى : خفى فيها ومحق كل شكل وصورته ، والجنين : الولد بعد تصويره ما دام فى بطن أمه ، واليافع : الغلام راهق العشرين ، وأصل اليافع المرتفع ، ويقال : أيفع فهو يافع ، وهذا من النوادر ، ومثله أمحلت الأرض فهى ماحل ، ويقصر : يكف عن الرذائل ممتنعا عنها بالعقل والروية
(١) «استوى مثاله» أى : بلغت قامته حد ما قدر لها من النمو
(٢) خبط البعير : إذا ضرب بيديه الأرض لا يتوقى شيئا ، والسادر : المتحير والذى لا يهتم ولا يبالى ما صنع
(٣) متح الماء : نزعه وهو فى أعلى البئر ، والماتح الذى ينزل البئر إذا قل ماؤها فيملأ الدلو ، والغرب : الدلو العظيمة ، أى : لا يستقى إلا من الهوى ، والكدح : شدة السعى ، والبدوات : جمع بدأة وهى ما بدا من الرأى ، أى : ذاهبا فيما يبدو له من رغائبه ، غير متقيد بشريعة ، ولا ملتزم صدور فضيلة
(٤) «لا يحتسب رزية» أى : لا يظنها ، ولا يفكر فى وقوعها ، ولا يخشع من التقية والخوف من اللّه تعالى ، وغريرا ـ براءين مهملتين ـ أى : مغرورا ، ويروى «عزيزا» ـ بمعجمتين ـ أى : شابا ، وهى رواية ضعيفة غير ملائمة سياق النظم و «عاش فى هفوته ـ الخ» : عاش فى أخطائه وخطيئاته الناشئة عن الخطأ فى تقدير العواقب زمنا يسيرا ، وهو مدة الأجل. ويروى «أسيرا»
(٥) «لم يفد» أى : لم يستفد ثوابا
(٦) دهمته : غشيته ، وغبر ـ بضم فتشديد ـ