فظلّ سادرا (١) وبات ساهرا ، فى غمرات الآلام ، وطوارق الأوجاع والأسقام بين أخ شقيق ، ووالد شفيق ، وداعية بالويل جزعا ، ولادمة للصّدر قلقا (٢) والمرء فى سكرة ملهية ، وغمرة كارثة (٣) وأنّة موجعة ، وجذبة مكربة ، وسوقة متعبة. ثمّ أدرج فى أكفانه مبلسا (٤) وجذب منقادا سلسا ، ثمّ ألقى على الأعواد رجيع وصب (٥) ونضو سقم ، تحمله حفدة الولدان (٦) وحشدة الإخوان ، إلى دار غربته ، ومنقطع زورته (٧) حتّى إذا انصرف المشيّع ، ورجع المتفجّع ، أقعد فى حفرته نجيّا لبهتة السّؤال ، وعثرة (٨) الامتحان ، وأعظم
__________________
جمع غابر ، أى : باق ، أى : فى بقايا تعنته على الحق ، وعدم انقياده له ، والسنن : الطريقة ، والمرح : شدة الفرح والبطر
(١) «ظل سادرا» أى : جائرا ، وذلك بعد ما غشيته فجعات المنية ، وهى عوارض الأمراض المهلكة التى تفضى إلى الموت
(٢) اللادمة : الضاربة
(٣) الغمرة : الشدة تحيط بالعقل والحواس ، والكارثة القاطعة للآمال ، أو من «كرثه الغم» إذا اشتد عليه ، والأنة ـ بفتح فتشديد ـ الواحدة من الأن ، أى : التوجع ، و «جذبة مكربة» أى : جذبات الأنفاس عند الاحتضار ، والسوقة : من ساق المريض نفسه عند الموت سوقا وسياقا ، وسيق ـ على المجهول ـ أسرع فى نزع الروح
(٤) أبلس يبلس : يئس ، فهو مبلس ، و «سلسا» أى : سهلا لعدم قدرته على الممانعة
(٥) الرجيع من الدواب : ما رجع به من سفر إلى سفر فكل ، والوصب : التعب ، ونضو ـ بالكسر ـ مهزول
(٦) الحفدة : الأعوان ، والحشدة : المسارعون فى التعاون
(٧) منقطع الزورة : حيث لا يزار
(٨) النجى : من تحادثه سرا ، والميت لا يسمع كلامه سوى الملائكة المكلمين له ، وبهتة السؤال : حيرته