الحزن ، وتجلبب الخوف ، (١) فزهر مصباح الهدى فى قلبه ، وأعدّ القرى ليومه النّازل به ، (٢) فقرّب على نفسه البعيد ، وهوّن الشّديد (٣) : نظر فأبصر ، وذكر فاستكثر ، (٤) وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده فشرب نهلا ، (٥) وسلك سبيلا جددا ، (٦) قد خلع سرابيل الشّهوات ، وتخلّى من الهموم إلاّ همّا واحدا انفرد به (٧) فخرج من صفة العمى ، ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الرّدى ، قد أبصر
__________________
(١) استشعر : لبس الشعار ، وهو ما يلى البدن من اللباس ، وتجلبب : لبس الجلباب ، وهو ما يكون فوق جميع الثياب ، والحزن : العجز عن الوفاء بالواجب ، أو قلبى لا يظهر له أثر فى العمل الظاهر. أما الخوف فيظهر أثره فى البعد عما يغضب اللّه ، والمبادرة للعمل فيما يرضيه ، وذلك أثر ظاهر ، وزهر مصباح الهدى : تلألأ وأضاء
(٢) القرى ـ بالكسر ـ : ما يهيأ للضيف ، وهو هنا العمل الصالح يهيئه للقاء الموت وحلول الأجل
(٣) جعل الموت على بعده قريبا منه فعمل له ولذلك هان عليه الصبر عن اللذائذ الفانية ، والأخذ بالجد فى إحراز الفضائل السامية ، وذلك هو الشديد
(٤) ذكر اللّه فاستكثر من العمل فى رضاه ، والعذب والفرات : مترادفان
(٥) النهل : أول الشرب ، والمراد أخذ حظا لا يحتاج معه إلى العمل ، وهو الشرب الثانى ، وقال ابن أبى الحديد : «يجوز أن يكون أراد بقوله نهلا المصدر من نهل ينهل نهلا ـ مثل طرب يطرب طربا ـ أى ، شرب حتى روى ، ويجوز أن يريد بالنهل الشرب الأول خاصة ، ويريد أنه اكتفى بما شربه أولا فلم يحتج إلى العلل» اه ببعض إيضاح.
(٦) الجدد ـ بالتحريك ـ : الأرض الغليظة ، أى : الصلبة المستوية ، ومثلها يسهل السير فيه.
(٧) الهم الواحد : هو هم الوقوف عند حدود الشريعة.