طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره (١) ، استمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشّمس : قد نصب نفسه للّه ـ سبحانه ـ فى أرفع الأمور من إصدار كلّ وارد عليه ، وتصيير كلّ فرع إلى أصله (٢) مصباح ظلمات ، كشّاف عشاوات ، مفتاح مبهمات ، دفّاع معضلات (٣) ، دليل فلوات (٤) ، يقول فيفهم ، ويسكت فيسلم : قد أخلص اللّه فاستخلصه فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أوّل عدله نفى الهوى عن نفسه ، يصف الحقّ ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها (٥) ، ولا مظنّة إلاّ قصدها (٦) ، قد أمكن الكتاب من زمامه (٧)
__________________
(١) جمع غمر ـ بالفتح ـ وهو معظم البحر ، والمراد أنه عبر بحار المهالك إلى سواحل النجاة
(٢) لأن من كان همه التزام حدود اللّه فى أوامره ونواهيه نفذت بصيرته إلى حقائق سر اللّه فى ذلك ، فصار من درجات العرفان بحيث لا يرد عليه أمر إلاّ أصدره على وجهه ، ولا يعرض له فرع إلا رده إلى أصله
(٣) عشاوات : جمع عشاوة ، وهى سوء البصر أو العمى ، أى : إنه يكشف عن ذوى العشاوات عشاواتهم. ويروى «عشوات» : جمع عشوة ـ بتثليث الأول ـ وهى الأمر الملتبس ، والمعضلات : الشدائد والأمور لا يهتدى لوجهها
(٤) الفلوات : جمع فلاة ، وهى الصحراء الواسعة ، مجاز عن مجالات العقول فى الوصول إلى الحقائق
(٥) أمها : قصدها
(٦) «مظنة» أى : موضع ظن لوجود الفائدة
(٧) الكتاب : القرآن ، وأمكنه من زمامه : تمثيل لانقياده لأحكامه ، كأنه مطية والكتاب يقوده إلى حيث شاء