لم تثقلهم موصرات الآثام (١) ولم ترتحلهم عقب اللّيالى والأيّام (٢) ولم ترم الشّكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم (٣) ولم تعترك الظّنون على معاقد يقينهم (٤) ولا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم (٥) ، ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم (٦) وما سكن من عظمته وهيبة جلالته فى أثناء صدورهم ، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم (٧) : منهم من هو فى خلق الغمام الدّلّح (٨) وفى عظم الجبال الشّمّخ ، وفى قترة الظّلام الأبهم (٩) ، ومنهم من خرقت
__________________
(١) مثقلاتها ، مأخوذ من الاصر ، وهو الثقل
(٢) ارتحله : وضع عليه الرحل ليركبه ، والعقب : جمع عقبة ، وهى النوبة. والليل والنهار لتعاقبهما ، أى : لم يتسلط عليهم تعاقب الليل والنهار فيفنيهم أو يغيرهم
(٣) النوازع : جمع نازعة وهى النجم أو القوس ، وعلى الأول المراد منها الشهب ، وعلى الثانى تكون الباء فى بنوازعها بمعنى من ، وروى فى مكانه «بنوازغها» بالغين المعجمة ـ وهو مأخوذ من «نزغ بينهم» أى : أفسد
(٤) جمع معقد : محل العقد ، بمعنى الاعتقاد.
(٥) الاحن : جمع إحنة ، وهى الحقد والضغينة
(٦) لاق : لصق ، و «أثناء صدورهم» جمع ثنى ، وهى التضاعيف
(٧) تقترع : يروى بالقاف المثناة ـ من الاقتراع ، بمعنى ضرب القرعة ، ويروى بالفاء الموحدة ، أى : تعلو برينها فرعه ، أى : علاه ، والرين ـ بفتح الراء ـ الدنس ، وما يطبع على القلب من حجب الجهالة وفى التنزيل : «كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ»
(٨) جمع دالح ، وهو : الثقيل بالماء من السحاب
(٩) القترة هنا : الخفاء والبطون ، ومنها قالوا : أخذه على قترة ، أى : من حيث لا يدرى ، والأبهم ـ بباء موحدة بعد الهمزة ـ أصله من لا يعقل ولا يفهم ، وصف به الليل وصفا للشىء بما ينشأ عنه ، فان الظلام الحالك يوقع فى الحيرة ، ويأخذ بالفهم عن رشاده.