أقدامهم تخوم الأرض السّفلى ، فهى كرايات بيض قد نفذت فى مخارق الهواء (١) وتحتها ريح هفّافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية ، قد استفرغتهم أشغال عبادته (٢) ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته وقطعهم الإيقان به إلى الوله إليه (٣) ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره ، قد ذاقوا حلاوة معرفته ، وشربوا بالكأس الرّويّة من محبّته (٤) وتمكّنت من سويداء قلوبهم (٥) وشيجة خيفته (٦) فحنوا بطول الطّاعة اعتدال ظهورهم ، ولم ينفذ طول الرّغبة إليه مادّة تضرّعهم (٧) ولا أطلق عنهم عظيم الزّلفة ربق خشوعهم (٨) ، ولم يتولّهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم ، ولا تركت لهم استكانة الإجلال (٩) نصيبا فى تعظيم حسناتهم ، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم ، ولم تغض رغباتهم (١٠) فيخالفوا عن رجاء ربّهم ، ولم
__________________
(١) مواضع ما خرقت أقدامهم
(٢) جعلتهم فارغين من الاشتغال بغيرها.
(٣) شدة الشوق إليه
(٤) الروية : التى تروى وتطفىء العطش
(٥) محل الروح الحيوانى من مضغة القلب
(٦) الوشيجة : أصلها عرق الشجرة ، أراد منها هنا بواعث الخوف من اللّه
(٧) أى : إن شدة رجائهم لم تفن مادة خوفهم وتذللهم
(٨) جمع ربقة ـ بالكسر ، والفتح ـ وهى : العروة من عرى الريق ـ بكسر الراء ـ وهو : حبل فيه عدة عرى تربط فيه البهم
(٩) الاستكانة : ميل للسكون من شدة الخوف ، ثم استعملت فى الخضوع
(١٠) دأب فى العمل : بالغ فى مداومته حتى أجهده