أنبياء أخذ على الوحى ميثاقهم (١) ، وعلى تبليغ الرّسالة أمانتهم ، لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم (٢) فجهلوا حقّه واتّخذوا الأنداد معه (٣) واجتالتهم الشّياطين عن معرفته (٤) واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه (٥) ليستأدوهم ميثاق فطرته (٦) ويذكّروهم منسىّ نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتّبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول (٧) ويروهم الآيات المقدّرة : من سقف فوقهم
__________________
مما ابتلى به الانسان امتحانا لقوته على التربية ، واقتداره على سياسة من يعولهم ، والقيام بحقوقهم ، وإلزامهم بتأدية ما يحق عليهم.
(١) أخذ عليهم الميثاق أن يبلغوا ما أوحى إليهم ، ويكون ما بعده بمنزلة التأكيد له. وأخذ عليهم ألا يشرعوا للناس إلا ما يوحى إليهم.
(٢) عهد اللّه إلى الناس هو ما سيأتى يعبر عنه بميثاق الفطرة.
(٣) الأنداد : الأمثال ، وأراد المعبودين من دونه سبحانه وتعالى.
(٤) اجتالتهم ـ بالجيم ـ صرفتهم عن قصدهم الذى وجهوا إليه بالهداية المغروزة فى فطرهم ، وأصله من الدوران ، كأن الذى يصرفك عن قصدك يصرفك تارة هكذا وأخرى هكذا ، تقول : اجتال فلان فلانا ، واجتاله عن كذا ، واجتاله على كذا ، أى : أداره عليه ، يحسن له فعله ، ويغريه به ، ويزينه له.
(٥) واتر إليهم أنبياءه : أرسلهم وبين كل نبى ومن بعده فترة ، لا بمعنى أرسلهم تباعا بعضهم يعقب بعضا.
(٦) كأن اللّه تعالى ـ بما أودع فى الانسان من الغرائز والقوى ، وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدى ـ قد أخذ عليه ميثاقا بأن يصرف ما أوتى من ذلك فيما خلق له ، وقد كان يعمل على ذلك الميثاق ولا ينقضه ، لو لا ما اعترضه من وساوس الشهوات ، فبعث إليه النبيين ليطلبوا من الناس أداء ذلك الميثاق ، أى : ليطالبوهم بما تقتضيه فطرتهم ، وما ينبغى أن تسوقهم إليه غرائزهم.
(٧) دفائن العقول : أنوار العرفان التى تكشف للانسان أسرار الكائنات