ولم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة ، فهم فى ذلك كالأنعام السّائمة والصّخور القاسية قد انجابت السّرائر لأهل البصائر (١) ، ووضحت محجّة الحقّ لخابطها (٢) وأسفرت السّاعة عن وجهها ، وظهرت العلامة لمتوسّمها. مالى أراكم أشباحا بلا أرواح؟ وأرواحا بلا أشباح. ونسّاكا بلا صلاح ، وتجّارا بلا أرباح ، وأيقاظا نوّما ، وشهودا غيّبا ، وناظرة عمياء ، وسامعة صمّاء ، وناطقة بكماء؟ رأيت ضلالة قد قامت على قطبها (٣) وتفرّقت بشعبها (٤) تكيلكم بصاعها (٥) وتخبطكم بباعها (٦) قائدها خارج عن الملّة ، قائم على الضّلّة ، فلا يبقى يومئذ منكم إلاّ ثفالة كثفالة القدر (٧) ، أو نفاضة كنفاضة العكم (٨) تعرككم
__________________
(١) «انجابت» من قولهم «انجابت الناقة» إذا مدت عنقها للحلب ، أى : إن السرائر خضعت لنور البصائر فهو يكشفها ويملكها ، وأهل البصائر يصرفون السرائر إلى ما يريدون
(٢) خابطها : السائر عليها
(٣) «قامت على قطبها» تمثيل لانتظام أمرها ، واستحكام قوتها
(٤) جمع شعبة ، أى : انتشرت بفروعها
(٥) «تكيلكم» أى : تأخذكم للهلاك جملة كما يأخذ الكيال ما يكيله من الحب
(٦) «تخبطكم» من «خبط الشجرة» أى : ضربها بالعصى ليتناثر ورقها ، أو من «خبط البعير بيده الأرض» أى : ضربها وعبر بالباع ليفيد استطالتها عليهم ، وتناولها لقريبهم وبعيدهم
(٧) الثفالة ـ بالضم ـ كالثفل والثافل : ما استقر تحت الشىء من كدورة ، وثفالة القدر : ما يبقى فى قعرها من عكارة. والمراد الأرذال والسفلة
(٨) النفاضة : ما يسقط : بالنفض ، والعكم ـ بالكسر ـ العدل ـ بالكسر ـ أيضا وهو سفط تجعل فيه المرأة ذخيرتها. والمراد ما يبقى بعد تفريغه فى خلال نسجه فينفض لينظف