قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم (١) والّذى بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ، ولتغربلنّ غربلة ولتساطنّ سوط القدر (٢) حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم ، وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا ، وليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا (٣) واللّه ما كتمت وشمة (٤) ولا كذبت كذبة ،
__________________
إنما كانت بما كسبوا من ظلم وعدوان وما لبسوا من جهل وفساد أحوال ، ملكته التقوى وهى التحفظ من الوقوع فيما جلب تلك العقوبات لأهلها فمنعته عن تقحم الشبهات والتردى فيها ، فان الشبهة مظنة الخطيئة ، والخطيئة مجلبة العقوبة.
(١) إن بلية العرب التى كانت محيطة بهم يوم بعث اللّه نبيه محمدا صلّى اللّه عليه وسلم هى بلية الفرقة ، ومحنة الشتات : حيث كانوا متباغضين متنافرين ، يدعو كل إلى عصبيته ، وينادى نداء عشيرته ، يضرب بعضهم رقاب بعض ، فتلك الحالة التى هى مهلكة الأمم قد صاروا إليها بعد مقتل عثمان : بعثت العداوات التى كان قد قتلها الدين ، ونفخت روح الشحناء بين الأمويين والهاشميين وأتباع كل ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
(٢) «لتبلبلن» أى : لتخلطن من نحو «تبلبلت الألسن» اختلطت ، «ولتغربلن» أى : لتقطعن من : غربلت اللحم ، أى : قطعته و «لتساطن» من السوط ، وهو أن تجعل شيئين فى الاناء وتضربهما بيدك حتى يختلطا. وقوله «سوط القدر» أى : كما تختلط الأبزار ونحوها فى القدر عند غليانه فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها ، وكل ذلك حكاية عما يؤولون إليه من الاختلاف وتقطع الأرحام وفساد النظام.
(٣) ولقد سبق معاوية إلى مقام الخلافة وقد كان فى قصوره عنه بحيث لا يظن وصوله إليه ، وقصر آل بيت النبوة عن بلوغه وقد كانوا أسبق الناس إليه.
(٤) الوشمة : الكلمة ، وقد كان رضى اللّه عنه لا يكتم شيئا يحوك بنفسه : كان أمارا بالمعروف ، نهاء عن المنكر ، لا يحابى ، ولا يدارى ، ولا يكذب ، ولا يداجى وهذا القسم توطئة لقوله : ولقد نبئت بهذا المقام ، أى : أنه قد أخبر من قبل على لسان النبى صلّى اللّه عليه وسلم بأن سيقوم هذا المقام ويأتى عليه يوم مثل هذا اليوم