ومقصّر فى النّار هوى ، اليمين والشّمال مضلّة ، والطّريق الوسطى هى الجادّة (١) عليها باقى الكتاب وآثار النّبوّة ، ومنها منفذ السّنّة ، وإليها مصير العاقبة ، هلك من ادّعى ، وخاب من افترى من أبدى صفحته للحقّ هلك (٢) وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره ، لا يهلك على التّقوى سنخ أصل (٣) ، ولا يظمأ عليها
__________________
منهلا إلا عب منه ، ولا يميل به هواه إلى أمر إلا انتهى إليه ، فذلك عبد الهوى ، وجدير به أن يكون فى النار هوى
(١) اليمين والشمال مثال لما زاع عن جادة الشريعة والطريق الوسطى مثال للشريعة القويمة ، ثم أخذ يبين أن الجادة والطريق الوسطى هى سبيل النجاة ، جاء الكتاب هاديا إليها ، والسنة لا تنفذ إلا منها ، فمن خالف الكتاب ونبذ السنة ثم ادعى أنه على الجادة فقد كذب ، ولهذا يقول : خاب من ادعى ، أى : من ادعى دعوة وكذب فيها ولم يكن عنده مما يدعيه إلاّ مجرد الدعوى فقد هلك لأنه مائل عن الجادة
(٢) الرواية الصحيحة هكذا : من أبدى صفحته للحق هلك ، أى : من كاشف الحق مخاصما له مصارحا له بالعداوة هلك. ويروى من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس. وعلى هذه الرواية يكون المعنى : من ظاهر الحق ونصره غلبته الجهلة بكثرتهم ـ وهم أعوان الباطل ـ فهلك
(٣) السنخ المثبت ، يقال : ثبتت السن فى سنخها ، أى : منبتها. والأصل لكل شىء : قاعدته وما قام عليه بقيته ، فأصل الجبل مثلا أسفله الذى يقوم عليه أعلاه وأصل النبات جذره الذاهب فى منبته ، وهلاك النسخ فساده حتى لا تثبت فيه أصول ما اتصل به ، ولا ينمو غرس غرس فيه. وكل عمل ذهبت أصوله فى أسناخ التقوى كان جديرا بأن تثبت أصوله وتنمو فروعه ويزكو بزكاء منبته ومغرس أصله ، وهو التقوى ، وكما أن التقوى سنخ لأصول الأعمال كذلك منها تستمد الأعمال غذاءها وتستقى ماءها من الأخلاص ، وجدير بزرع يسقى بماء التقوى أن لا يظمأ و «عليها» فى الموضعين : فى معنى معها. وقد يقال فى قوله سنخ أصل : إنه هو على نحو قول القائل : إذا خاض عينيه كرى النوم. والكرى هو النوى ، والسنخ هو الأصل. والأليق بكلام الامام ما قدمناه