الأبطال (١) ويعود به ينطف دما ، ويقطر مهجا. وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد ، وبدل الأبدال (٢). وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، التى جمع بها بين الأضداد وألف بين الأشتات (٣). وكثيرا ما أذكر الإخوان بها ، وأستخرج عجبهم منها ، وهى موضع للعبرة بها ، والفكرة فيها وربما جاء فى أثناء هذا الاختيار اللفظ المردّد ، والمعنى المكرر. والعذر فى ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا : فربما اتفق الكلام المختار فى رواية فنقل على وجهه ، ثم وجد بعد ذلك فى رواية أخرى موضوعا غير وضعه الأول : إما بزيادة مختارة ، أو بلفظ أحسن عبارة ، فتقتضى الحال أن يعاد ، استظهارا للاختيار ، وغيرة على عقائل الكلام (٤) وربما بعد العهد أيضا بما اختير أوّلا فأعيد بعضه سهوا أو نسيانا ، لا قصدا واعتمادا.
__________________
(١) يجدل الأبطال : يلقيهم على الجدالة كسحابة : وهى وجه الأرض وينطف من نطف كنصر وضرب ، نطفا وتنطافا : سال ، والمهج : جمع مهجة ، وهى : دم القلب
(٢) الأبدال : قوم صالحون لا تخلو الأرض منهم ، إذا مات منهم واحد ابدل؟؟؟ اللّه مكانه آخر.
(٣) موضع العجب أن أهل الشجاعة والاقدام والمغامرة والجرأة يكونون فى العادة أقسياء فتاكا متمردين جبارين. والغالب على أهل الزهد وأعداء الدنيا وهاجرى ملاذها المشتغلين بالوعظ والنصيحة والتذكير أن يكونوا ذوى رقة ولين وضعف قلوب وخور طباع ، وهاتان حالتان متضادتان فاجتماعهما فى أمير المؤمنين على كرم اللّه وجهه مما يوجب العجب : فكان كرم اللّه وجهه أشجع الناس وأعظمهم إراقة للدم ، وأزهدهم وأبعدهم عن ملاذ الدنيا ، وأكثرهم وعظا وتذكيرا وأشدهم اجتهادا فى العبادة ، وكان أكرم الناس أخلاقا وأسفرهم وجها وأوفاهم هشاشة وبشاشة حتى عيب بالدعابة
(٤) عقائل الكلام : كرائمه. وعقيلة الحى : كريمته