إلى أنّ هذا (١) إنّما يظنّه الجهول (٢) ، وأمّا العاقل فيعرف أنّه لا حاجة له في السّماء لاتّصافه بسائر الكمالات (٣) ، وهذا المعنى (٤) ممّا خفي على بعضهم ، فتوهّم (٥) أنّ في البيت تقصيرا في وصف علوّه حيث أثبت هذا الظّن للكامل في الجهل بمعرفة الأشياء [ونحوه] أي مثل البناء على علوّ القدر ما يبنى على علوّ المكان لتناسي التّشبيه. [ما مرّ (٦) من التّعجّب] في قوله :
قامت تظللنّي ومن عجب |
|
شمس تظللنّي من الشّمس |
________________________________________________________
للمستعار منه ، وليس ذلك من الكذب ، لأنّ الغرض إفادة المبالغة وتقوية الاستعارة بذكر اللّازم ، وذلك كاف في نفي الكذب ، كما أنّه قد ينقل من معناه الأصلي لمعنى ملائم للمستعار له.
(١) أي كونه له حاجة في السّماء.
(٢) أي لأنّه الّذي لا كمال لعقله.
(٣) أي وحيث كان العاقل يعرف أنّه لا حاجة له في السّماء لاتّصافه بسائر الكمالات كان عالما بأنّ إفراطه في العلوّ لمجرّد التّعالي على الأقران ، وفي قوله : «لاتّصافه ...» إشارة إلى أنّ المراد بالحاجة المنتفية عند العاقل هنا هي الحاجة المعتادة الّتي يطلبها المحتاج في الأرض ، فلا يرد أنّ نفي حاجة السّماء سوء أدب لما فيه من نفي الحاجة إلى الرّحمة السّماوية ، والتّوجه لها بالدّعاء لا بالصّعود.
(٤) أي التّفصيل بين العاقل والجاهل.
(٥) أي منشأ ذلك التّوهّم أنّ القصد من البيت الإشارة بمزيد صعوده المشار له بقوله : «حتّى يظنّ الجهول ...» إلى علوّ قدره ، وإذا كان مزيد الصّعود إنّما هو في ظنّ كامل الجهل لا العارف بالأشياء ، فلا يكون له ثبوت ، فلا يحصل كبير مدح بذلك.
وحاصل الرّدّ أنّ مزيد الصّعود مجزوم به ، ومسلّم من كلّ أحد ، وإنّما النّزاع في أنّه هل له الحاجة في السّماء أم لا؟ فذكر أنّ كثير الجهل هو الّذي يتوهّم أنّ ذلك الارتقاء المفرط لحاجة ، وأمّا العاقل ذو النّظر الصّحيح فيعلم أنّ ذلك الإفراط في العلوّ لمجرّد التّعالي على الأقران ، لا لحاجة له في السّماء لاتّصافه بسائر الكمالات واستغنائه عن جميع الحاجات.
(٦) أي ما مرّ في أوّل بحث لاستعارة من التّعجّب في قوله : «قامت تظللنّي ...» ، إنّما كان