على تقدير : أو كمثل ذوي صيّب. [وقد يليه] أي نحو الكاف [غيره] أي غير المشبّه به (١) [نحو : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(١) (٢)] الآية ، إذ ليس المراد تشبيه حال الدّنيا بالماء ، ولا بمفرد آخر يتمحّل تقديره ، بل المراد تشبيه حالها في نضارتها وبهجتها وما يعقبها من الهلاك والفناء بحال النّبات الحاصل من الماء ، يكون أخضر ناضرا شديد الخضرة ، ثمّ ييبس فتطيره (٣) الرّياح كأن لم يكن (٤) ، ولا حاجة (٥)
________________________________________________________
البامياني.
وإنّما قدّر ذوي الصّيّب ، لأنّ الضّمائر في قوله بعد ذلك : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) لا بدّ لها من مرجع ، وليس موجودا في اللّفظ ، فلا بدّ من أن يكون مقدّرا.
(١) أي ممّا له دخل فيه كبعض ما ينتزع منه المشبّه به.
(٢) أمر الله تعالى نبيّه الأعظم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يضرب مثلا للدّنيا تزهيدا ، وإعراضا عنها ، وترغيبا إلى الآخرة ، حيث قال : (وَاضْرِبْ لَهُمْ).
والشّاهد في الآية أنّها مشتملة على تشبيه مركّب بمركّب ، أي هيئة انتزعت من الحلول في الدّنيا والتّعيّش فيها ، ثمّ الانتقال منها بالموت ، وتناثر الجسد بهيئة انتزعت من نزول الماء من السّماء ، واختلاطه بالنّبات ونضرتها ، ثمّ اصفرارها وتفرّقها في وجه الأرض بجامع هيئة منتزعة من الهيئتين شاملة لهما ، ولم يأت المشبّه به بعد الكاف بلا فصل ، لأنّها هيئة منتزعة ، ولا معنى لوليها الكاف.
نعم ، لو كانت يعبّر عنها بمفرد ، أو مثل «يتمحّل» أي يتكلّف لتقديره حتّى يكون المشبّه به ، واليا للكاف تقديرا ، وبالجملة إنّ المشبّه هيئة منتزعة من حلول الإنسان في الدّنيا ، والتّعيش فيها بالانتفاع من نعمها ، ثمّ فناؤه بالموت وتناثر جسده في بطن الأرض ، والمشبّه به هيئة منتزعة من نضرة النّبات ويبسه ، آخر الأمر على التّفصيل المذكور ، ولا ريب أنّ الهيئة الّتي وقعت مشبّها بها لم تل الكاف بل لا يمكن أنّ تل بعدها لأنّها هيئة.
(٣) أي باب التّفعيل تفسير لقوله تعالى : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ).
(٤) أي لم يكن شيئا مذكورا.
(٥) أي لا حاجة إلى تقدير حتّى يكون المشبّه به واليا للكاف تقديرا.
__________________
(١) سورة الكهف : ٤٥.