كله أنها لم تبدّل ، ويكون احتمال التبديل فيها مرجوحا ، فيلغى ولا يقدح في صحة الاستدلال بها.
ثم إنّ الخلاف في جواز النقل بالمعنى إنما هو فيما لم يدوّن ولا كتب ، وأما ما دوّن وحصّل في بطون الكتب ، فلا يجوز تبديل ألفاظه من غير خلاف بينهم.
قال «ابن الصلاح» ـ بعد أن ذكر اختلافهم في نقل الحديث بالمعنى ـ :
إنّ هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس ـ فيما نعلم ـ فيما تضمنته بطون الكتب ، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنّف ، ويثبت فيه لفظا آخر. أه.
وتدوين الأحاديث والأخبار بل وكثير من المرويات ، وقع في الصّدر الأول قبل فساد اللغة العربية ، حين كان كلام أولئك المبدّلين على تقدير تبديلهم يسوغ الاحتجاج به ، وغايته يومئذ تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به ، فلا فرق بين الجمع في صحة الاستدلال ؛ ثم دوّن ذلك المبدل ـ على تقدير التبديل ـ ومنع من تغييره ونقله بالمعنى ، كما قال «ابن الصلاح» فبقي حجّة في بابه. ولا يضر توهم ذلك السابق في شيء من استدلالهم المتأخر ، والله أعلم بالصواب» ا ه.
بهذا ردّ «الدماميني» مذهب المانعين من الاستدلال بالحديث ، ولله درّه! فإنه قد أجاد في الرد (١).
قال «ابن الطيب» : ما رأيت أحدا من الأشياخ المحققين إلا وهو يستدل بالأحاديث على القواعد النحوية ، والألفاظ اللغوية ، ويستنبطون من الأحاديث النبوية الأحكام النحوية والصرفية واللغوية ، وغير ذلك من أنواع العلوم اللسانية ، كما يستخرجون منها الأحكام الشرعية. وأخيرا : الحق ما قاله الإمام «ابن مالك»
__________________
(١) «خزانة الأدب» ١ : ٧.