وأبو الفرج هذا تولى أستاذية الدار (١) العزيزة ـ شيّد الله قواعدها بالعزّ ـ بعد وفاة أبيه إذ كان يتولّى ذلك في أيام المقتفي لأمر الله ـ قدّس الله روحه ـ وذلك في سنة تسع وأربعين وخمس مئة (٢). فلما توفّي الإمام المقتفي ـ رضياللهعنه ـ وبويع ولده المستنجد بالله ـ رضياللهعنه ـ أقرّه على ذلك ، ورفع منه ، وأدناه حتى كان يقضي أكثر أشغال الدّيوان العزيز ويراجع في الأمور من غير اسم الوزارة عليه (٣). فلمّا توفي الإمام المستنجد بالله يوم السّبت تاسع ربيع الآخر من سنة ستّ وستين وخمس مئة بويع ولده الإمام المستضيء بأمر الله أبو محمد الحسن يوم الأحد عاشر الشّهر المذكور. كان أبو الفرج هذا المتولّي لأمر البيعة له والقائم بخدمته ، ففوّض إليه وزارته في ذلك اليوم ، فخوطب بالوزارة وروجع في الأمور وولّى وعزل من غير أن يخلع (٤) عليه لأجل أيام العزاء بالإمام المستنجد ، ثم خلع عليه بعد ذلك الخلع الجميلة اللائقة بهذا المنصب ولقّب عضد الدين (٥) ، وركب إلى الدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ وأمر ونهى ونفّذ المراسم الشّريفة ، وأجرى الأمور على العادة في ذلك ، مع بشاشة كانت فيه
__________________
(١) هو القيم على جميع الدّيار العباسية والمحافظ عليها (ابن جبير : الرحلة ٢٠٥) ويشبه رئيس الديون الملكي في عصرنا ، وقد ذكر بعض الباحثين الفضلاء أن هذا المنصب نشأ في عهد الخليفة المستنصر بالله العباسي ، وهو تعيين ليس بدقيق (انظر الدكتور ناجي معروف : تاريخ علماء المستنصرية ٢ / ٢٥١).
(٢) قال ابن الجوزي في حوادث هذه السنة من المنتظم : «وفيها توفي أبو الفتوح أستاذ الدار فولي ابنه محمد مكانه» ١٠ / ١٥٩. وقد ترجم ابن الجوزي لأبي الفتوح هذا في وفيات السنة.
(٣) قال ابن الجوزي عند ذكره لخلافة الإمام المستنجد سنة ٥٥٥ : «وقد تقدم أستاذ الدار فخلع عليه فجعل أمير حاجب وتقدّم للوزير بالقيام له» المنتظم ١٠ / ١٩٤.
(٤) في س : خلع.
(٥) ابن الفوطي : تلخيص ٤ / الترجمة ٦٤٤ في الملقبين بعضد الدين.