من أهل ميّافارقين ، قدم بغداد في صباه ، وأقام بها إلى حين وفاته. وكان صاحب رياضة ، ومعاملة ، وكلام صائب.
أنبأنا أبو المحاسن عمر بن عليّ القرشي ، قال : محمد بن عبد الملك الفارقي ، أبو عبد الله الشّافعي ، قدم بغداد في عنفوان شبابه وسمع بها جعفر بن أحمد السّرّاج ، وانقطع إلى الخلوة والمجاهدة والعبادة التّامة إلى أن لاحت له أمارات القبول ، واستعمل الإخلاص في أعماله إلى أن تحقّق جريان الحكمة على لسانه ، فكان العلماء والفضلاء يقصدونه ويكتبون كلامه الذي فوق الدّر ويتهادونه بينهم. وجرى على طريق واحد من اختيار الفقر والتّقلّل والتخشّن ، كتبت عنه من كلامه.
قلت : وكان للفارقي مجلس في كل جمعة بجامع القصر بعد الصّلاة يتكلّم فيه على النّاس من غير تكلّف ولا تصنّع ولا روية والنّاس يكتبون (١). فممن روى لنا عنه شيخنا أبو أحمد عبد الوهّاب بن عليّ بن عليّ (٢) ، وأبو الحسين هبة الله ابن محمد قاضي المدائن ، وأبو شجاع عبد الرزاق ابن النّفيس الواسطي وغيرهم ، رحمهمالله.
أخبرنا أبو أحمد عبد الوهّاب بن أبي منصور الصّوفي ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الملك الفارقي يقول : «المحبة نار زنادها جمال المحبوب وحراقها حرق القلوب وكبريتها الكمد ووقودها الفؤاد والكبد».
سمعت أبا الفضل نعمة الله بن أحمد بن يوسف الأنصاريّ يقول : من كلام
__________________
(١) قال ابن الجوزي : «كان يتكلم على الناس قاعدا وربما قام على قدميه في دار سيف الدولة من الجامع. وكان يقال : إنه كان يحفظ كتاب نهج البلاغة ويغيّر ألفاظه. وكانت له كلمات حسان في الجملة» (المنتظم ١٠ / ٢٢٩). وذكر ابن كثير أنّ له كتابا يعرف ب «الحكم الفارقية» يروى عنه (البداية ١٢ / ٢٦٠) ، ولعل هذا الكتاب هو الذي أشار إليه الصفدي بقوله : «وقد دون كلامه وجمعه وبوبه ورتبه أبو المعالي الكتبي في كتاب مفرد».
(٢) يعني ابن سكينة الزاهد المشهور وسيأتي ذكره في هذا الكتاب.