الكبيرة (١) ، والشوارع المتّسعة ، والمباني الضخمة المشيدة ، والنهر الجاري ، والهواء المعتدل ، والخارج الناضر ، والمحرث العظيم ، والشّعراء الكافية ، والتوسّط بين شرق الأندلس وغربها ، قال : فقلت : ما أبقى لي أمير المؤمنين ما أقول.
قال ابن سعيد : ولأهلها رياسة ووقار ، لا تزال سمة العلم والملك متوارثة فيهم ، إلّا أنّ عامّتها أكثر الناس فضولا ، وأشدّهم تشغيبا ، ويضرب بهم المثل ما بين أهل الأندلس في القيام على الملوك ، والتشنيع على الولاة ، وقلّة الرضا بأمورهم ، حتى إنّ السيد أبا يحيى أخا السلطان يعقوب المنصور قيل له لمّا انفصل عن ولايتها : كيف وجدت أهل قرطبة؟ فقال : مثل الجمل ، إن خفّفت عنه الحمل صاح ، وإن أثقلته صاح ، ما ندري أين رضاهم فنقصده ، ولا أين سخطهم فنجتنبه ، وما سلّط الله عليهم حجّاج الفتنة حتى كان عامّتها شرّا من عامّة العراق ، وإن العزل عنها لما قاسيته من أهلها عندي ولاية ، إني وإن كلّفت العود إليها لقائل : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، انتهى.
وقال أبو الفضل التيفاشي : جرت مناظرة بين يدي ملك المغرب المنصور يعقوب بين الفقيه أبي الوليد بن رشد والرئيس أبي بكر بن زهر ، فقال ابن رشد لابن زهر في تفضيل قرطبة : ما أدري ما تقول ، غير أنه إذا مات عالم بإشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها ، وإن مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية ، قال : وقرطبة أكثر بلاد الله كتبا ، انتهى.
وحكى الإمام ابن بشكوال عن الشيخ أبي بكر بن سعادة أنه دخل مدينة طليطلة مع أخيه على الشيخ الأستاذ أبي بكر المخزومي ، قال : فسألنا : من أين؟ فقلنا : من قرطبة ، فقال : متى عهدكما بها؟ فقلنا : الآن وصلنا منها ، فقال : اقربا إليّ أشمّ نسيم قرطبة ، فقربنا منه ، فشمّ رأسي وقبّله ، وقال لي : اكتب : [الطويل]
أقرطبة الغرّاء هل لي أوبة |
|
إليك؟ وهل يدنو لنا ذلك العهد (٢) |
سقى الجانب الغربيّ منك غمامة |
|
وقعقع في ساحات دوحاتك الرّعد |
لياليك أسحار ، وأرضك روضة ، |
|
وتربك في استنشاقها عنبر ورد |
وكتب الرئيس الكاتب أبو بكر بن القبطرنة للعالم أبي الحسين بن سراج بقوله : [الكامل]
__________________
(١) في ب : الكثيرة.
(٢) الأوبة : العودة.