ـ حرسها الله تعالى! ـ ولطف الله هامي السحاب ، وصنعه رائق الجناب ، والله يصل لنا ولكم ما عوّده من صلة لطفه عند انبتات الأسباب ، وإلى هذا أيّها المولى الذي هو بركة المغرب المشار إليه بالبنان ، وواحده في رفعة الشأن ، المؤثر ما عند الله على الزخرف الفتّان ، المتقلّل من المتاع الفان ، المستشرف (١) إلى مقام العرفان ، من درج الإسلام والإيمان والإحسان ، فإننا لما نؤثره من برّكم الذي نعدّه من الأمر الأكيد ، ونضمره من ودّكم الذي نحلّه محلّ الكنز العتيد ، ونلتمسه من دعائكم التماس العدّة والعديد ، لا نزال نسأل عن أحوالكم التي ترقّت في أطوار السعادة ، ووصلت جناب الحقّ بهجر العادة ، وألقت إلى يد التسليم لله والتوكّل عليه بالمقادة ، فنسرّ بما هيّأ الله تعالى لكم من القبول ، وبلّغكم من المأمول ، وألهمكم من الكلف بالقرب إليه والوصول ، والفوز بما لديه والحصول. وعندما ردّ الله علينا ملكنا الردّ الجميل ، وأنالنا فضله الجزيل ، وكان لعثارنا المقيل ، خاطبناكم بذلك لمكانكم من ودادنا ، ومحلّكم من حسن اعتقادنا ، ووجّهنا إلى وجهة دعائكم وجه اعتدادنا ، والله ينفعنا بجميل الظنّ في دينكم المتين ، وفضلكم المبين ، ويجمع الشّمل بكم في الجهاد عن الدين. وتعرّفنا الآن بمن له بأنبائكم اعتناء ، وعلى جلالكم حمد وثناء ، ولجناب ودّكم اعتزاء وانتماء ، بتجاول عزمكم (٢) بين حجّ مبرور ترغبون من أجره في ازدياد ، وتجددون العهد منه بأليف اعتياد ، وبين رباط في سبيل الله وجهاد ، وتوثير مهاد بين ربا أثيرة عند الله ووهاد ، يحشر يوم القيامة شهداؤها مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ، والله أصدق القائلين الصادقين ، حيث لا غارة لغير عدوّ الإسلام تتّقى ، إلّا لابتغاء ما لدى الله ترتقى ، حيث رحمة الله قد فتحت أبوابها ، وحور الجنان قد زيّنت أترابها ، دار العرب الذين قرعوا باب الفتح ، وفازوا بجزيل المنح ، وخلّدوا الآثار ، وأرغموا الكفّار ، وأقالوا العثار ، وأخذوا الثار ، وأمنوا من لفح جهنّم بما علا على وجوههم من ذلك الغبار ، فكتبنا إليكم هذا نقوّي بصيرتكم على جهة الجهاد من العزمين ، ونهبّ (٣) بكم إلى إحدى الحسنيين ، والصبح غير خاف على ذي عينين ، والفضل ظاهر لإحدى المنزلتين ، فإنكم إن (٤) حججتم أعدتم فرضا أدّيتموه ، وفضلا ارتديتموه ، فائدته عليكم مقصورة ، وقضيّته فيكم محصورة ، وإذا أقمتم الجهاد جلبتم إلى حسناتكم عملا غريبا ، واستأنفتم سعيا من الله قريبا ، وتعدّت المنفعة إلى ألوف من النفوس ، المستشعرة لباس البوس ، ولو كان الجهاد بحيث يخفى عليكم فضله لأطنبنا ، وأعنّة الاستدلال أرسلنا (٥) ، هذا لو قدمتم على هذا الوطن وفضلكم غفل من الاشتهار ، ومن به لا يوجب لكم
__________________
(١) المستشرف : المتطلع.
(٢) تجاول عزمكم : تردده وتكراره.
(٣) في ب : ونهيب.
(٤) في ب : فإنكم إذا.
(٥) أطنب في الكلام : مضى فيه وبالغ. والأعنة : جمع عنان ، وهو في الأصل سير اللجام الذي تمسك به الدابّة. وقيل : أرخى لدابته العنان : أي تركها تسير كما تشاء.