وذكر الرازي أن في جهة قلعة ورد جبلا فيه شقّ في صخرة داخل كهف فيه فأس حديد متعلّق من الشق الذي في الصخرة ، تراه العيون وتلمسه اليد ، ومن رام إخراجه لم يطق ذلك ، وإذا رفعته اليد ارتفع وغاب في شق الصخرة ثم يعود إلى حالته.
وأمّا ما أورده ابن بشكوال من الأحاديث والآثار في شأن فضل الأندلس والمغرب فقد ذكرها ابن سعيد في كتابه المغرب ، ولم أذكرها أنا ، والله أعلم بحقيقة أمرها ، وكذلك ما ذكره ابن بشكوال من أنّ فتح القسطنطينية إنما يكون من قبل الأندلس ، قال : وذكره سيف عن عثمان بن عفّان ، رضي الله تعالى عنه ، ـ والله أعلم بصحة ذلك ـ ولعلّ المراد بالقسطنطينية رومية ، والله أعلم.
قال سيف : وذلك أن عثمان ندب جيشا من القيروان إلى الأندلس ، وكتب لهم : أمّا بعد ، فإنّ فتح القسطنطينية إنما يكون من قبل الأندلس ، فإنكم إن فتحتموها كنتم الشركاء في الأجر ، والسلام ، انتهى.
قلت : عهدة هذه الأمور على ناقلها ، وأنا بريء من عهدتها ، وإن ذكرها ابن بشكوال وصاحب المغرب وغير واحد فإنها عندي لا أصل لها ، وأيّ وقت بعث عثمان إلى الأندلس؟
مع أن فتحها بالاتفاق إنما كان زمان الوليد ، وإنما ذكرت هذا للتنبيه عليه ، والله أعلم.
قال ابن سعيد : وميزان وصف الأندلس أنها جزيرة قد أحدقت بها البحار ، فأكثرت فيها الخصب والعمارة من كل جهة ، فمتى سافرت من مدينة إلى مدينة لا تكاد تنقطع من العمارة ما بين قرى ومياه ومزارع ، والصحارى فيها معدومة. ومما اختصّت به أنّ قراها في نهاية من الجمال لتصنّع أهلها في أوضاعها وتبييضها ، لئلا تنبو العيون عنها ، فهي كما قال الوزير ابن الحمارة (١) فيها : [الكامل]
لاحت قراها بين خضرة أيكها |
|
كالدّرّ بين زبرجد مكنون |
ولقد تعجّبت لمّا دخلت الديار المصرية من أوضاع قراها التي تكدّر العين بسوادها ، ويضيق الصدر بضيق أوضاعها. وفي الأندلس جهات تقرب فيها المدينة العظيمة الممصّرة من مثلها ، والمثال في ذلك أنك إذا توجّهت من إشبيلية فعلى مسيرة يوم وبعض آخر مدينة شريش ، وهي في نهاية من الحضارة والنّضارة ، ثم يليها الجزيرة الخضراء كذلك ، ثم مالقة ، وهذا كثير في الأندلس ، ولهذا كثرت مدنها وأكثرها مسوّر من أجل الاستعداد للعدوّ ، فحصل
__________________
(١) الوزير ابن الحمارة الغرناطي أبو عامر ، كان بارعا في علم الألحان (المغرب ٢ : ١٢٠).