وجعل على مقدّمته مولاه طارقا ، فلم يزل يقاتل البربر ويفتح مدائنهم ، حتى بلغ مدينة طنجة ، وهي قصبة بلادهم وأمّ مدائنهم ، فحصرها حتى فتحها ، وأسلم أهلها ، ولم تكن فتحت قبله ، وقيل : بل فتحت ثم استغلقت.
وذكر ابن حيّان أيضا استصعاب سبتة على موسى بتدبير صاحبها الداهية الشجاع يليان النصراني ، وأنه في أثناء ذلك وقع بينه وبين لذريق صاحب الأندلس ، ثم سرد ما يأتي ذكره.
وقال لسان الدين بن الخطيب رحمه الله : وحديث الفتح ، وما منّ الله به على الإسلام من المنح ، وأخبار ما أفاء الله من الخير ، على موسى بن نصير ، وكتب من جهاد ، لطارق بن زياد ، مملول قصّاص وأوراق ، وحديث أفول وإشراق ، وإرعاد وإبراق ، وعظم امتشاش (١) ، وآلة معلّقة في دكان قشّاش (٢) ، انتهى.
وقال في المغرب : طارق بن زياد من إفريقية.
وقال ابن بشكوال : إنه طارق بن عمرو ، فتح جزيرة الأندلس ودوّخها ، وإليه ينسب جبل طارق الذي يعرفه العامّة بجبل الفتح ، في قبلة الجزيرة الخضراء ، ورحل مع سيّده بعد فتح الأندلس إلى الشام وانقطع خبره ، انتهى.
وقال أيضا : إن طارقا كان حسن الكلام ينظم ما يجوز كتبه ، وأما المعارف السلطانية فيكفيه ولاية سلطنة الأندلس وما فتح فيها من البلاد إلى أن وصل سيده موسى بن نصير.
ومن تاريخ ابن بشكوال : احتل طارق بالجبل المنسوب إليه يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنتين وتسعين في اثني عشر ألفا غير اثني عشر رجلا من البربر ، ولم يكن فيهم من العرب إلّا شيء يسير ، وإنه لمّا ركب البحر رأى ، وهو نائم ، النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلّدوا السيوف وتنكّبوا القسيّ ، فيقول له رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : «يا طارق ، تقدّم لشأنك» ، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدّامه ، فهبّ من نومه مستبشرا ، وبشّر أصحابه ، وثابت نفسه ببشراه ، ولم يشكّ في الظفر ، فخرج من الجبل ، واقتحم بسيط البلد شانّا للغارة ، وأصاب عجوزا من أهل الجزيرة فقالت له في بعض قولها : إنه كان لها زوج عالم بالحدثان ، فكان يحدّثهم عن أمير يدخل إلى بلدهم هذا فيغلب عليه ، ويصف من نعته أنه ضخم الهامة ، فأنت كذلك ، ومنها أن في كتفه الأيسر (٣) شامة عليها شعر ، فإن كانت فيك
__________________
(١) امتش العظم : استخرج مخه.
(٢) القشاش : الذي يجمع محقرات الأشياء.
(٣) في ب : اليسرى.