ومالقة ، وسمّاها (١) الأردنّ ، وأهل فلسطين شذونة ـ وهي شريش ـ وسمّاها فلسطين ، وأهل مصر تدمير ، وسمّاها مصر. وقفل ثعلبة إلى المشرق ، ولحق بمروان بن محمد ، وحضر حروبه ، وكان أبو الخطار أعرابيّا عصبيّا أفرط عند ولايته في التعصّب لقومه من اليمانية ، وتحامل على المضرية ، وأسخط قيسا ، وأمر في بعض الأيام بالصّميل بن حاتم كبير القيسية ـ وكان من طوالع بلج ، وهو الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن ، ورأس على المضرية ـ فأقيم من مجلسه ، وتقنّع ، فقال له بعض الحجّاب وهو خارج من القصر : أقم عمامتك يا أبا الجوشن ، فقال : إن كان لي قوم فسيقيمونها ، فسار الصميل بن حاتم أميرهم يومئذ وزعيمهم ، وألّب (٢) عليه قومه ، واستعان بالمنحرفين عنه من اليمانية ، فخلع أبو الخطار سنة ثمان وعشرين لأربع سنين وتسعة أشهر من ولايته ، وقدّم مكانه ثوابة بن سلامة الجذامي ، وهاجت الحرب المشهورة. وخاطبوا بذلك عبد الرحمن بن حبيب صاحب إفريقية ، فكتب إلى ثوابة بعهده على الأندلس ، منسلخ رجب سنة تسع وعشرين ، فضبط الأندلس ، وقام بأمره الصّميل ، واجتمع عليه الفريقان. وهلك لسنة من ولايته. ووقع الخلاف بإفريقية ، والتاث أمر (٣) بني أمية بالمشرق ، وشغلوا عن قاصية الثغور (٤) بكثرة الخوارج ، وعظم أمر المسوّدة (٥) فبقي أهل الأندلس فوضى ، ونصبوا للأحكام خاصّة عبد الرحمن بن كثير. ثم اتفق جند الأندلس على اقتسام الإمارة بين المضريّة واليمانيّة وإدالتها بين الجندين سنة لكل دولة. وقدّم المضريّة على أنفسهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري سنة تسع وعشرين ، واستتمّ سنة ولايته بقرطبة دار الإمارة. ثم وافته اليمانية لميعاد إدالتهم واثقين بمكان عهدهم وتراضيهم واتفاقهم ، فبيّتهم يوسف بمكان نزولهم من (٦) شقندة في قرى قرطبة بممالأة من الصّميل بن حاتم والقيسية وسائر المضرية ، فاستلحموهم ، وثار أبو الخطار فقاتله الصّميل وهزمه وقتله سنة تسع وعشرين ، واستبدّ يوسف بما وراء البحر من عدوة الأندلس ، وغلب اليمنية على أمرهم ، فاستكانوا لغلبه ، وتربّصوا الدوائر إلى أن جاء عبد الرحمن الداخل. وكان يوسف ولّى الصميل سرقسطة ، فلما ظهر أمر المسوّدة بالمشرق ثار الحباب الزهريّ بالأندلس داعيا لهم ، وحاصر الصميل بسرقسطة ، واستمدّ يوسف ، فلم يمدّه رجاء هلاكه لما كان يغصّ به. وأمدّته القيسية ،
__________________
(١) في ب : وسماهما.
(٢) ألّب عليه قومه : حرضهم عليه.
(٣) التاث أمر بني أمية : فسد واضطرب.
(٤) قاصيته الثغور : أي الثغور البعيدة.
(٥) المسوّدة : العباسيون ، وسمّوا بالمسوّدة ، لأنهم لبسوا السواد ، وكانت أعلامهم سوداء.
(٦) في ب : في من قرى.