وقيل : إن آخر ملوك الأندلس الذين تلتهم العرب غيطشة ، وإنه هلك عن أولاد ثلاثة صغار لم يصلحوا للملك ، فضبطت أمّهم عليهم ملك والدهم بطليطلة ، وانحرف لذريق قائد الخيل لوالدهم فيمن تبعه عنهم ، فصار بقرطبة ، فلما اقتحم طارق الأندلس نفر إليه لذريق واستنفر إليه أجناد أهل الأندلس ، وكتب إلى أولاد غيطشة ـ وقد ترعرعوا ، وركبوا الخيل ، واتّخذوا الرجال ـ يدعوهم إلى الاجتماع معه على حرب العرب ، ويحذّرهم من القعود عنه ، ويحضّهم على أن يكونوا على عدوّهم يدا واحدة ، فلم يجدوا بدّا ، وحشدوا ، وقدموا عليه بقرطبة ، فنزلوا أكناف قرية شقندة بعدوة نهرها قبالة القصر ، ولم يطمئنّوا إلى الدخول على لذريق أخذا بالحزم ، إلى أن استتبّ جهاز لذريق وخرج ، فانضمّوا إليه ، ومضوا معه وهم مرصدون لمكروهه. والأصح ـ والله أعلم ـ ما سبق أن ملك القوط اجتمع للذريق ، واختلف في اسمه : فقيل رذريق ـ بالراء أوله ـ وقيل باللام لذريق وهو الأشهر ، وقيل : إن أصله من أصبهان ويسمّى الأشبان ، والله أعلم.
قالوا : وعسكر لذريق في نحو مائة ألف ذوي عدد وعدّة ، فكتب طارق إلى موسى يستمدّه ويعرفه أنه فتح الجزيرة الخضراء فرضة الأندلس ، وملك المجاز إليها ، واستولى على أعمالها إلى البحيرة ، وأنّ لذريق زحف إليه بما لا قبل له به ، إلّا أن يشاء الله ، وكان موسى منذ وجّه طارقا لوجهه ، قد أخذ في عمل السفن حتى صار عنده منها عدّة كثيرة ، فحمل إلى طارق فيها خمسة آلاف من المسلمين مددا كملت بهم عدّة من معه اثني عشر ألفا أقوياء على المغانم ، حراصا على اللقاء ، ومعهم يليان المستأمن إليهم في رجاله وأهل عمله يدلّهم على العورات ، ويتجسّس (١) الأخبار ، وأقبل نحوهم لذريق في جموع العجم وملوكها وفرسانها ، فتلاقوا فيما بينهم ، وقال بعضهم لبعض : إن هذا ابن الخبيثة قد غلب على سلطاننا ، وليس من أهله ، وإنما كان من أتباعنا ، فلسنا نعدم من سيرته خبالا في أمرنا ، وهؤلاء القوم الطارقون لا حاجة لهم في استيطان بلدنا ، وإنما مرادهم أن يملئوا أيديهم من الغنائم ، ثم يخرجوا عنّا ، فهلمّ فلننهزم بابن الخبيثة إذا نحن لقينا القوم لعلّهم يكفوننا إيّاه ، فإذا انصرفوا عنّا أقعدنا في ملكنا من يستحقّه ، فأجمعوا على ذلك ، والقضاء يبرم ما ارتئوه.
وكان لذريق ولّى ميمنته أحد ابني غبطشة ، وميسرته الآخر ، فكانا رأسي الذين أداروا عليه الهزيمة. وأدّاهما إلى ذلك طمع رجوع ملك والدهما إليهما.
وقيل : لمّا تقابل الجيشان أجمع أولاد غيطشة على الغدر بلذريق ، وأرسلوا إلى طارق
__________________
(١) في ب : ويتجسس لهم الأخبار.