وترعى روض كلّ أديب ، وتغضّ على رغم العدوّ من حبيب ، إنّ من البيان لسحرا ، ويا أيها الجواد وجدناك بحرا ، أدريت ، أيّ بري بريت ، وبأيّ قمر اهتديت ، ليلة سريت ، افتتحت بأبياتك الحسان ، ونظمتها نظم الجمان ، فعوذت سبعتها (١) بالسّبع ، وعرفت منها براعة ذلك الطبع ، ثم نثرت على القرطاس شذور النثور (٢) ، بل من جواهر النحور ، ما استوقف النّظّار ، وبهرج اللّجين والنّضار ، ورأيتك استمددت ولك الباع الأمدّ ، وأعرت محاسنك والعارية تردّ ، وجئت باللألاءة (٣) تروق أربعتها ، وتخرس بها قعقعة الأشعار وجعجعتها ، فأدّت من حسنها ما يسرّ ، واجتمع لمن روى القطعتين ما نظم فيها وهو الدّرّ. وأجريت خبر الحادثة التي محقت بدر التمام ، وذهبت بنضارة الأيام ، فيا من حضر يوم البطشة ، وعزّي في أنسه بعد تلك الوحشة ، أحقّا أنه دكّت الأرض ، ونزف المعين والبرض (٤) ، وصوّح (٥) روض المنى ، وصرّح الخطب وما كنى؟ أبن لي كيف فقدت رجاحة الأحلام ، وعقدت مناحة الإسلام ، وجاء اليوم العسر ، وأوقدت نار الحزن فلا تزال تستعر؟ حلم ما نرى؟ بل ما رأى ذا حالم ، طوفان يقال عنده لا عاصم ، من ينصفنا من الزمان الظالم؟ الله بما يلقى الفؤاد عالم. بالله أيّ نحو تنحو ، ومسطور تثبت وتمحو ، وقد حذف الأصلي والزائد ، وذهبت الصّلة والعائد ، وباب التعجب طال ، وحال البائس لا تخشى الانتقال ، وذهبت علامة الرفع ، وفقدت سلامة الجمع ، والمعتلّ أعدى الصحيح ، والمثلّث أردى الفصيح ، وامتنعت العجمة من الصّرف ، وأمنت زيادتها من الحذف. ومالت قواعد الملّة ، وصرنا إلى جمع القلّة ، وللشّرك صيال وتخمّط ، ولقرنه في شركه تخبّط ، وقد عاد الدين إلى غربته ، وشرق الإسلام بكربته ، كأن لم يسمع بنصر بن نصير ، وطرق طارق بكل خير ، ونهشات حنش وكيف أعيت الرّقى ، وأذالت (٦) بليل السّليم يوم الملتقى ، ولم تخبر عن المروانية وصوائفها ، وفتى معافر وتعفيره للأوثان وطوائفها ، لله ذلك السلف ، لقد طال الأسى عليهم والأسف. وبقي الحكم العدل ، والربّ الذي قوله الفصل ، وبيده الفضل ، ربّنا أمرت فعصينا ، ونهيت فما انتهينا ، وما كان ذلك جزاء إحسانك إلينا ، أنت العليم بما أعلنّا وما أخفينا ، والمحيط بما لم نأت وما أتينا ، لو أننا فيك أحببنا وقلينا (٧) ، لم
__________________
(١) في ب : ستتّها.
(٢) في ب : نثرت على القرطاس من شذور المنثور.
(٣) في ب : بالرائية.
(٤) نزف : غار ، والمعين : الماء الجاري. والبرض : الماء القليل.
(٥) صوّح النبات : يبس.
(٦) في ب : وأدالت.
(٧) قلينا : أبغضنا.