شفت الصدور من أمراضها ، ووفت النفوس بأغراضها ، واستولت على ما كان لملّة الكفر من جواهرها وأعراضها ، ثم وقع الاختلاف ، بعد ذلك الائتلاف ، فعصفت ريح العدوّ والحروب سجال ، وأعيا العلاج حكماء الرجال ، فصار أهل الأندلس يتذكّرون موسى بن نصير وطارق ، ومن بعدهما من ملوك الأندلس الذين راعت العدوّ الكافر منهم طوارق (١).
وما أحسن ما أعرب الإمام الكاتب القاضي أبو المطرف بن عميرة ، عمّا يشمل هذا المعنى وغيره ، في كتاب بعث به إلى الشيخ أبي جعفر بن أمية ، حين حلّ الرّزء ببلنسية (٢) ، وهو : [الطويل]
ألا أيها القلب المصرّح بالوجد |
|
أما لك من بادي الصّبابة من بدّ |
وهل من سلوّ يرتجى لمتيّم |
|
له لوعة الصادي وروعة ذي الصّدّ (٣) |
يحنّ إلى نجد ، وهيهات! حرّمت |
|
صروف الليالي أن يعود إلى نجد |
فيا جبل الريّان ، لا ريّ بعدما |
|
عدت غير الأيام عن ذلك الورد |
ويا أهل ودّي والحوادث تقتضي |
|
خلوّي عن أهل يضاف إلى الودّ |
ألا متعة يوما بعارية المنى |
|
فإنّا نراها كلّ حين إلى الردّ |
أمن بعد رزء في بلنسية ثوى |
|
بأحنائنا كالنّار مضمرة الوقد |
يرجّي أناس جنّة من مصائب |
|
تطاعن فيهم بالمثقّفة الملد (٤) |
ألا ليت شعري هل لها من مطالع |
|
معاد إلى ما كان فيها من السّعد |
وهل أذنب الأبناء ذنب أبيهم |
|
فصاروا إلى الإخراج من جنّة الخلد |
مرحبا بالسّحاءة (٥) ، وما أعارت أفقي من الإضاءة ، وردت تسحر النّهى ، وتسحب ذيلا على السّها ، وتهزّ من المسرّة أعطافا ، وتردّ من نجوم المجرّة نطافا ، عامت من الظلمة في موجها ، ثم غلبت الشهب على أوجها ، فقلب العقرب يجب ، وسهيل بداره يحتجب ، والطّرف غضيض ، وجناح الطائر مهيض ، وصاحب الأخبية يقرض ، والذابح عن ذبيحته يعرض ، ورامح السماكين تخونه السلاح ، وواقع النّسرين يودّ لو (٦) أنه يخفيه الصباح ، بلاغة تفتن كلّ لبيب ،
__________________
(١) الطوارق : جمع طارقة وهي الحادثة الفاجئة.
(٢) الرزء : المصيبة.
(٣) اللوعة : الحرقة. والصادي : العطشان.
(٤) الجنة ـ بضم الجيم ـ الوقاية ، والمثقفة : الرماح. والملد : الطرية المهتزة.
(٥) السحاءة : أراد بها القرطاس المكتوب فيه.
(٦) في ب : يودّ أن يخفيه.