وما أشار إليه ابن خلدون في غزوة الخندق فصّله المسعودي فقال (١) ، بعد أن أجرى ذكر مخالفة أميّة بن إسحاق على الناصر ودخوله أرض النصارى ودلالته إياهم على عورات المسلمين ، ما ملخّصه : وغزا عبد الرحمن صاحب الأندلس سمّورة دار الجلالقة (٢) ، وكان عبد الرحمن في مائة ألف أو يزيدون ، وكانت الوقعة بينه وبين ردمير ملك الجلالقة في شوّال سنة ٣٢٧ بعد الكسوف الذي كان في هذا الشهر بثلاثة أيام ، فكانت للمسلمين عليهم ، ثم ثابوا (٣) بعد أن حوصروا وألجئوا إلى المدينة ، فقتلوا من المسلمين بعد عبورهم الخندق خمسين ألفا. وقيل : إن الذي منع ردمير من طلب من نجا من المسلمين أمية بن إسحاق ، وخوّفه الكمين ، ورغّبه فيما كان في عسكر المسلمين من الأموال والعدّة والخزائن ، ولو لا ذلك لأتى على جميع المسلمين ، ثم إن أميّة استأمن بعد ذلك إلى عبد الرحمن وتخلّص من ردمير ، وقبله عبد الرحمن أحسن قبول. وقد كان عبد الرحمن بعد هذه الوقعة جهّز عساكر مع عدّة من قوّاده إلى الجلالقة ، فكانت لهم بهم عدّة حروب هلك فيها من الجلالقة ضعف ما قتل من المسلمين في الوقعة الأولى ، وكانت للمسلمين عليهم إلى هذه الغاية ، وردمير ملك الجلالقة إلى هذا الوقت وهو سنة ٣٣٢ ، انتهى.
وقال في موضع آخر ما ملخّصه : إن عبد الرحمن غزا في أزيد من مائة ألف فارس من الناس ، فنزل على دار مملكة الجلالقة ، وهي مدينة سمّورة ، وعليها سبعة أسوار من أعجب البنيان قد أحكمته الملوك السالفة ، وبين الأسوار فصلان وخنادق ومياه واسعة ، وافتتح منها سورين ، ثم إن أهلها ثاروا على المسلمين فقتلوا منهم ـ ممّن أدركه الإحصاء وممّن عرف ـ أربعين ألفا ، وقيل : خمسين ألفا ، وكانت للجلالقة والبشكنس على المسلمين ، انتهى كلام المسعودي.
رجع إلى أخبار الناصر ـ فنقول : إن الناصر ـ رحمه الله! ـ كان له نظم ، وممّا نسب إليه بعضهم قوله : [الخفيف]
لا يضرّ الصغير حدثان سنّ |
|
إنما الشأن في سعود الصغير |
كم مقيم فازت يداه بغنم |
|
لم تنله بالرّكض كفّ مغير |
__________________
(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧.
(٢) سمورة : هي دار مملكة الجلالقة ، على ضفة نهر كبير خرّار ، كثير الماء وبين سمورة والبحر ستون ميلا. وهي مدينة جليلة ، قاعدة من قواعد الروم غزاها عبد الرحمن بن محمد الخليفة الأموي بالأندلس سنة ٣٢٧ ه. في أزيد من مائتي ألف من الناس (انظر صفة جزيرة الأندلس ص ٩٨).
(٣) ثابوا : رجعوا.