بعثها مع الغلام ، وقال : يا بني ، كن مع جملة ما بعثت به ، ولو لا الضرورة ما سمحت بك نفسي ، وكتب معه هذين البيتين : [الطويل]
أمولاي هذا البدر سار لأفقكم |
|
وللأفق أولى بالبدور من الأرض |
أرضيكم بالنّفس وهي نفيسة |
|
ولم أر قبلي من بمهجته يرضي |
فحسن ذلك عند الناصر ، وأتحفه بمال جزيل ، وتمكّنت عنده مكانته ، ثم إنه بعد ذلك أهديت إليه جارية من أجمل نساء الدنيا ، فخاف أن ينتهي ذلك إلى الناصر فيطلبها فتكون كقصة الغلام ، فاحتفل في هدية أعظم من الأولى ، وبعثها معها ، وكتب له : [الطويل]
أمولاي ، هذي الشمس والبدر أوّلا |
|
تقدّم كيما يلتقي القمران |
قران لعمري بالسعادة قد أتى |
|
فدم منهما في كوثر وجنان |
فما لهما والله في الحسن ثالث |
|
وما لك في ملك البريّة ثاني |
فتضاعفت مكانته عنده.
ثم إن أحد الوشاة رفع للملك أنه بقي في نفسه من الغلام حرارة ، وأنه لا يزال يذكره حين تحرّكه الشّمول (١) ، ويقرع السّنّ (٢) على تعذّر الوصول ، فقال للواشي : لا تحرّك به لسانك ، وإلّا طار رأسك ، وأعمل الناصر حيلة في أن كتب على لسان الغلام رقعة منها : «يا مولاي ، تعلم أنك كنت لي على انفرادي (٣) ، ولم أزل معك في نعيم ، وإنّي وإن كنت عند الخليفة مشارك في المنزلة ، محاذر ما يبدو من سطوة الملك ، فتحيّل في استدعائي منه» ، وبعثها مع غلام صغير السنّ ، وأوصاه أن يقول : من عند فلان ، وإنّ الملك لم يكلّمه قطّ ، إن سأله عن ذلك ، فلمّا وقف أبو عامر على تلك الرسالة واستخبر الخادم علم من سؤاله ما كان في نفسه من الغلام ، وما تكلّم به في مجالس المدام ، فكتب على ظهر الرقعة ولم يزد حرفا :
[الطويل]
أمن بعد إحكام التجارب ينبغي(٤) ٤ |
|
لديّ سقوط الطّير في غابة الأسد |
وما أنا ممّن يغلب الحبّ قلبه |
|
ولا جاهل ما يدّعيه أولو الحسد |
فإن كنت روحي قد وهبتك طائعا |
|
وكيف يردّ الرّوح إن فارق الجسد؟ |
فلما وقف الناصر على الجواب تعجّب من فطنته ، ولم يعد إلى استماع واش به.
__________________
(١) الشمول : من أسماء الخمر.
(٢) يقرع السن : كناية عن الندم.
(٣) في ب : انفراد.
(٤) في ب : يبتغى.