وممّا ينسب للناصر من الشعر ، وقيل : لابنه الحكم ، قوله (١) : [مخلع البسيط]
ما كلّ شيء فقدت إلّا |
|
عوّضني الله عنه شيّا |
إني إذا ما منعت خيري |
|
تباعد الخير من يديّا |
من كان لي نعمة عليه |
|
فإنّها نعمة عليّا |
وممّا زيّن الله به دولة الناصر وزراؤه الذين من جملتهم ابن شهيد ، قال في المطمح : أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد (٢) ، مفخر الإمامة ، وزهر تلك الكمامة ، وصاحب (٣) الناصر عبد الرحمن ، وحامل الوزارتين على سموّها في ذلك الزمان ، استقلّ بالوزارة على ثقلها ، وتصرّف فيها كيف شاء على حدّ نظرها والتفات مقلها ، فظهر على أولئك الوزراء ، واشتهر مع كثرة النظراء ، وكانت إمارة عبد الرحمن أسعد إمارة ، بعد عنها كلّ نفس بالسّوء أمّارة ، فلم يطرقها صرف ، ولم يرمقها محذور بطرف ، فقرع الناس فيها هضاب الأمانيّ ورباها ، ورتعت ظباؤها في ظلال ظباها ، وهو أسد على براثنه رابض ، وبطل أبدا على قائم سيفه قابض ، يروع الروم طيفه ، ويجوس خلال تلك الديار خوفه ، ويروى بل يحسم كلّ آونة سيفه ، وابن شهيد ينتج الآراء ويلقحها ، وينقد تلك الأنحاء وينقحها ، والدولة مشتملة بغنائه ، متجمّلة بسنائه ، وكرمه منتشر على الآمال ، ويكسو الأولياء بذلك الإجمال (٤) ، وكان له أدب تزخر (٥) لججه ، وتبهر حججه ، وشعره رقيق لا ينقد ، ويكاد من اللطافة يعقد ، فمن ذلك قوله : [الطويل]
ترى البدر منها طالعا فكأنّما |
|
يجول وشاحاها على لؤلؤ رطب |
بعيدة مهوى القرط مخطفة الحشا |
|
ومفعمة الخلخال مفعمة القلب |
من اللّاء لم يرحلن فوق رواحل |
|
ولا سرن يوما في ركاب ولا ركب |
ولا أبرزتهنّ المدام لنشوة |
|
وشدو كما تشدو القيان على الشّرب (٦) |
__________________
(١) المغرب ج ١ ص ١٧٩.
(٢) ابن شهيد : هو أحمد بن عبد الملك بن أحمد بن شهيد ، من بني الوضاح ، من أشجع ، من قيس عيلان ، أبو عامر الأشجعي ، وزير من كبار الأندلسيين أدبا وعلما. مولده ووفاته بقرطبة. له شعر جيد يهزل فيه ويجدّ ، وتصانيف بديعة منها : التوابع والزوابع ، توفي سنة ٤٢٦ ه (الأعلام ١ : ١٥٧).
(٣) في ب : وحاجب.
(٤) الإجمال : الإحسان.
(٥) تزخر لججه : تتلاطم أمواجه ، شبه الأدب بالبحر.
(٦) الشّرب : بفتح الشين وسكون الراء ـ الجماعة الشاربون.