فحيّاها الله من منازل ذات أقمار سائرة فيها ، ومنازه لا يحصي الواصف محاسنها وأمداح أهلها ولا يستوفيها : [البسيط]
حلّوا عقود اصطباري عندما رحلوا |
|
وفي الخمائل حلّوا مثل أمطار (١) |
إنّ المنازل قد كانت منازه إذ |
|
باتوا بها وهي أوطاني وأوطاري |
ورعى الله من بان (٢) ، وشاق حتى الرّند والبان (٣) : [البسيط]
بانوا لعيني أقمارا تقلّهم |
|
لدن الغصون فلمّا آنسوا بانوا (٤) |
عهودهم لست أنساها ، وكيف وقد |
|
رثى لبيني عنها الرّند والبان |
وفي مثل هذا الموطن تذوب القلوب الرّقاق ، كما قال حائز قصب السّبق بالاستحقاق ، الأديب الأندلسي الشهير بابن الزّقاق (٥) : [الوافر]
وقفت على الربوع ولي حنين |
|
لساكنهنّ ليس إلى الرّبوع |
ولو أنّي حننت إلى مغاني |
|
أحبّائي حننت على ضلوعي |
وكما قال بعض من له في هذه الفجاج (٦) مسير : [الطويل]
دخولك من باب الهوى إن أردته |
|
يسير ، ولكنّ الخروج عسير |
وأين من له صفاة (٧) لا يطمع الدهر القويّ في نحتها ، وجنّات دنيوية لا تجري أنهار الفراق من تحتها : [الكامل]
فسقى رضيع النّبت من ذاك الحمى |
|
بحيا تدور على الرّبا كاساته (٨) |
سفح سفحت عليه دمعي في ثرى |
|
كالمسك ضاع من الفتاة فتاته |
ولم أزل بعد انفصالي عن الغرب بقصد الشرق ، واتّصافي (٩) في أثر ذلك الجمع بالفرق : [الوافر]
__________________
(١) الخمائل : جمع خميلة ، وهي الموضع الكثير الشجر.
(٢) بان : بعد.
(٣) الرند : شجر طيب الرائحة. والبان : شجر طويل مستقيم لين الورق شبه به العرب قدود الغانيات.
(٤) بانوا الأولى بمعنى ظهروا. وبانوا الثانية بعدوا. وتقلّهم : تحملهم.
(٥) ابن الزقاق : هو علي بن عطية ابن أخت الشاعر ابن خفاجة.
(٦) الفجاج : جمع فجّ : الطريق الواسع الواضح بين جبلين.
(٧) الصّفاة : الصخرة العريضة الملساء.
(٨) الحيا : المطر.
(٩) في أ: واتّصالي.