الدولة ، ثم استعان على غالب بجعفر بن أحمد بن (١) علي بن حمدون صاحب المسيلة وقائد الشيعة ممدوح بن هانىء بالفائية المشهورة (٢) وغيرها ، وهو النازع إلى الحكم أوّل الدولة بمن كان معه من زناتة والبربر. ثم قتل جعفرا بممالأة ابن عبد الودود وابن جهور وابن ذي النون وأمثالهم من أولياء الدولة من العرب وغيرهم. ثم لمّا خلا الجوّ من أولياء الخلافة والمرشّحين للرياسة رجع إلى الجند ، فاستدعى أهل العدوة من رجال زناتة والبرابرة فرتّب منهم جندا ، واصطنع أولياء ، وعرّف عرفاء من صنهاجة ومغراوة وبني يفرن وبني برزال ومكناسة وغيرهم ، فتغلّب على هشام وحجره (٣) ، واستولى على الدولة ، وملأ الدنيا وهو في جوف بيته ؛ من تعظيم الخلافة ، والخضوع لها ، وردّ الأمور إليها ، وترديد الغزو والجهاد ، وقدّم رجال البرابرة وزناتة ، وأخّر رجال العرب وأسقطهم عن مراتبهم ، فتمّ له ما أراد من الاستقلال بالملك والاستبداد بالأمر ، وبنى لنفسه مدينة لنزله سمّاها الزاهرة. ونقل إليها خزائن الأموال والأسلحة ، وقعد على سرير الملك ، وأمر أن يحيّا بتحية الملوك ، وتسمّى بالحاجب المنصور ، ونفذت الكتب والمخاطبات والأوامر باسمه ، وأمر بالدعاء له على المنابر باسمه عقد الدعاء للخليفة ، ومحا رسم الخلافة بالجملة ، ولم يبق لهشام المؤيد من رسوم الخلافة أكثر من الدعاء على المنابر وكتب اسمه في السّكة والطرز ، وأغفل ديوانه ممّا سوى ذلك. وجنّد البرابرة والمماليك ، واستكثر من العبيد والعلوج للاستيلاء على تلك الرتبة ، وقهر من تطاول (٤) إليها من العلية (٥) ، فظفر من ذلك بما أراد ، وردّد الغزو بنفسه إلى دار الحرب ، فغزا ستّا وخمسين غزوة في سائر أيام ملكه لم تنتكس له فيها راية ، ولا فلّ له جيش ، وما أصيب له بعث ، وما هلكت له سريّة ، وأجاز عساكره إلى العدوة ، وضرب بين ملوك البرابرة ، وضرب بعضهم. ببعض ، فاستوثق له ملك المغرب ، وأخبتت (٦) له ملوك زناتة ، وانقادوا لحكمه ، وأطاعوا سلطانه ، وأجاز ابنه عبد الملك إلى ملوك مغراوة بفاس من آل خزر ، ولمّا سخط زيري بن عطيّة ملكهم لمّا بلغه ما بلغه من إعلانه بالنّيل منه والغضّ من منصبه والتأفّف (٧) لحجر الخليفة
__________________
(١) أحمد بن : ساقطة في ب.
(٢) ابن هانىء الأندلسي شاعر العبيديين ، والفائية هي قصيدته ذات المطلع :
أليلتنا إذ أرسلت واردا وصفا |
|
وبتنا نرى الجوزاء في أذنها شنفا |
(٣) حجره : منعه من التصرف.
(٤) تطاول إليها : سمت نفسه إليها.
(٥) العلية : سادة القوم.
(٦) أخبتت : خصعت وذلت.
(٧) التأفف : التضجر وإظهار الغضب.