بالدولة العامرية ، والفتح في المطمح ، والحجاري في المسهب ، والشّقندي في الطرف ، وذكر الجميع أن أصله من قريش تركش ، وأنه رحل إلى قرطبة ، وتأدّب بها ، ثم اقتعد دكانا (١) عند باب القصر يكتب فيه لمن يعنّ له كتب من الخدم والمرافقين للسلطان ، إلى أن طلبت السيدة صبح أم المؤيّد من يكتب عنها ، فعرّفها به من كان يأنس إليه بالجلوس من فتيان القصر ، فترقّى إلى أن كتب عنها ، فاستحسنته ، ونبّهت عليه الحكم ، ورغّبت في تشريفه بالخدمة ، فولّاه قضاء بعض المواضع ، فظهرت منه نجابة ، فترقّى إلى الزكاة والمواريث بإشبيلية وتمكّن في قلب السيدة بما استمالها به من التّحف والخدمة ما لم يتمكّن لغيره ، ولم يقصّر ـ مع ذلك ـ في خدمة المصحفي الحاجب ، إلى أن توفي الحكم وولي ابنه هشام المؤيد ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، فجاشت الروم (٢) ، فجهّز المصحفيّ ابن أبي عامر لدفاعهم ، فنصره الله عليهم ، وتمكّن حبّه من قلوب الناس.
وكان جوادا عاقلا ذكيّا ، استعان بالمصحفي على الصّقالبة ، ثم بغالب على المصحفيّ ، وكان غالب صاحب مدينة سالم ـ وتزوّج ابن أبي عامر ابنته أسماء ، وكان أعظم عرس بالأندلس ـ ثم بجعفر بن علي الأندلسي ممدوح ابن هانىء على غالب ، ثم بعبد الرحمن بن محمد بن هشام التّجيبي على جعفر ، وله في الحزم والكيد والجلد ما أفرد له ابن حيّان تأليفا ، وعدد غزواته المنشأة من قرطبة نيّف وخمسون غزوة ، ولم تهزم له راية ، وقبره بمدينة سالم في أقصى شرق الأندلس.
ومن شعره (٣) : [الطويل]
رميت بنفسي هول كلّ عظيمة |
|
وخاطرتة والحرّ الكريم يخاطر |
وما صاحبي إلّا جنان مشيّع |
|
وأسمر خطّيّ وأبيض باتر (٤) |
فسدت بنفسي أهل كلّ سيادة |
|
وفاخرت حتى لم أجد من أفاخر |
وما شدت بنيانا ولكن زيادة |
|
على ما بنى عبد المليك وعامر |
__________________
(١) اقتعد دكانا : أي اتخذ له دكانا.
(٢) جاشت الروم : تحركت واضطربت ، وأراد : ثارت.
(٣) الذخيرة ٤ / ١٨ والحلة ١ / ٢٧٦.
(٤) الجنان : القلب. والمشيّع : القويّ الجريء. والأسمر : الرمح. والخطيّ : المنسوب إلى الخط ، وهو موضع باليمامة كانت تثقف فيه الرماح. والأبيض : السيف. والباتر : القاطع.