الأكابر ، فإنه قاومهم بأضدادهم ، واستكثر من أعدادهم ، حتى تغلّبوا على الجمهور ، وسلبوا عنهم الظهور ، ووثبوا عليهم الوثوب المشهور ، الذي أعاد أكثر الأندلس قفرا يبابا ، وملأها وحشا وذئابا ، وأعراها عن الأمان ، برهة من الزمان ، وعلى هذه الهيئة فهو وابنه المظفر كانا آخر سعد الأندلس ، وحدّ السرور بها والتأنّس ، وغزواته فيها شائعة الأثر ، رائعة كالسيف ذي الأثر ، وحسبه وافر ، ونسبه معافر ، ولذا قال يفتخر :
رميت بنفسي ....
الأبيات ، وزاد هنا بعد قوله «أبيض باتر» بيتا ، وهو : [الطويل]
وإني لزجّاء الجيوش إلى الوغى |
|
أسود تلاقيها أسود خوادر (١) |
وكانت أمّه تميمية ، فحاز الشرف بطرفيه ، والتفّ بمطرفيه ، ولذا قال القسطلّي فيه (٢) : [الطويل]
تلاقت عليه من تميم ويعرب |
|
شموس تلالا في العلا وبدور |
من الحميريّين الذين أكفّهم |
|
سحائب تهمي بالنّدى وبحور |
وتصرّف قبل ولايته في شتى الولايات ، وجاء من التحدّث بمنتهى أمره بآيات ، حتى صحّ زجره ، وجاء بصبحه فجره ، تؤثر عنه في ذلك أخبار ، فيها عجب واعتبار ، وكان أديبا محسنا ، وعالما متفنّنا ، فمن ذلك قوله يمنّي نفسه بملك مصر والحجاز ، ويستدعي صدور تلك الأعجاز : [الخفيف]
منع العين أن تذوق المناما |
|
حبّها أن ترى الصّفا والمقاما |
لي ديون بالشّرق عند أناس |
|
قد أحلّوا بالمشعرين الحراما |
إن قضوها نالوا الأماني ، وإلّا |
|
جعلوا دونها رقابا وهاما |
عن قريب ترى خيول هشام |
|
يبلغ النّيل خطوها والشآما |
انتهى ما نقله من المطمح.
__________________
(١) الزجّاء : الشديد السوق. والوغى : الحرب. والخوادر : جمع خادر ، وهو الأسد في عرينه.
(٢) القسطلي : أبو عمر أحمد بن محمد بن العاصي بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن دراج الأندلسي القسطلي ، الشاعر الكاتب. كان كاتب المنصور بن أبي عامر وشاعره ، وهو من الشعراء المجيدين والعلماء المقدمين (انظر وفيات الأعيان ١ / ١٣٥ ، وانظر ديوان الشاعر صفحة ٣٠١).