بالله الشبلي (١) لما وفد إلى حضرة الجود : [الخفيف]
قلت للقلب إذ تراءى لعيني |
|
رسم دار لهم فهاج اشتياقي |
هذه دارهم وأنت محبّ |
|
ما احتباس الدموع في الآماق |
والمغاني للصّبّ فيها معاني |
|
فهي تدعى مصارع العشّاق |
حلّ عقد الدموع واحلل رباها |
|
واهجر الصّبر وارع حقّ الفراق |
ثم أكملت العمرة ، ودعوت الله أن أكون ممّن عمر بطاعة ربّه عمره ، وذلك أوائل ذي القعدة من عام ثمانية وعشرين وألف من الهجرة السنيّة ، وأقمت هنالك منتظرا وقت الحجّ الشريف ، ومتفيّئا ذلك الظلّ الوريف ، ومقتطفا ثمار القرب الجنيّة ، إلى أن جاء الأوان ، فأحرمت بالحجّ من غير توان ، وحين حللت مما به أحرمت ، نويت الإقامة هنالك وأبرمت ، فحال من دون ذلك حائل ، وكنت حريّا بأن أنشد قول القائل : [الكامل]
هذي أباطح مكة حولي وما |
|
جمعت مشاعرها من الحرمات (٢) |
أدعو بها لبّيك تلبية امرئ |
|
يرجو الخلاص بها من الأزمات |
نلت المنى بمنى لأني لم أخف |
|
بالخيف من ذنب أحال سماتي |
وعرفت في عرفات أني ناشق |
|
للعفو عرفا عاطر النّسمات (٣) |
وأن أتمثّل في المطاف ، إذ حفّتني الألطاف ، بقول من ربعه بالتقوى مشيد ، البغدادي الشهير بابن رشيد : [الطويل]
على ربعهم لله بيت مبارك |
|
إليه قلوب الناس تهوي وتهواه (٤) |
يطوف به الجاني فيغفر ذنبه |
|
ويسقط عنه جرمه وخطاياه |
وكم لذة أو فرحة لطوافه |
|
فلله ما أحلى الطواف وأهناه |
ثم قصدنا بعد قضاء تلك الأوطار ، طيبة (٥) الشريفة التي لها الفضل على الأقطار ، واستشعرت قول من أنشد وطير عزمه عن أوكاره قد طار : [الطويل]
__________________
(١) هو أبو بكر دلف بن جحدر ـ صاحب الجنيد ـ المتوفى سنة ٣٣٤ ه (راجع وفيات الأعيان ج ٢ ص ٣٩ ، وحلية الأولياء ج ١٠ ص ٣٦٦).
(٢) المشاعر : جمع مشعر ، وأراد به هنا المكان من الأمكنة يؤدى فيها شيء من مناسك الحج أو العمرة.
(٣) العرف : الرائحة الطيبة.
(٤) أخذه من قوله تعالى : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).
(٥) في ب : لطيبة. وطيبة : هي المدينة المنوّرة.