فصيّرت لي ذلك الكتاب سميرا ، ووردت من السرور مشرعا نميرا ، وتمثّلت بقول بعض من أخلص في الودّ ضميرا : [الكامل]
يا مفردا أهدى إليّ كتابه |
|
جملا يحار الذّهن في أثنائها |
كالدّرّ أشرق في سموط عقوده |
|
والزّهر والأنوار غبّ سمائها |
فأفادني جذلا وبالي كاسد |
|
وأجار نفسي من جوى برحائها |
وحسبت أيام الشّباب رجعن لي |
|
فلبست حلي جمالها وبهائها |
لا يعدم الإخوان منك محاسنا |
|
كلّ المفاخر قطرة من مائها |
فأكرم به من كتاب جاء من السّريّ العليّ ، والماجد الأخ الوليّ : [الوافر]
فضضت ختامه فتبيّنت لي |
|
معانيه عن الخبر الجليّ |
وكان ألذّ في عيني وأندى |
|
على كبدي من الزّهر الجنيّ |
وضمّن صدره ما لم تضمّن |
|
صدور الغانيات من الحليّ |
وأعرب عن اعتماد متماد ، ووداد مزداد ، وأطاب حين أطال ، وأدّى دين الفصاحة دون مطال (١) ، واشتمل من فصول العبارة على أحسن من الحدق المراض ، وأتى من أصول البراعة ببراهين ابن شاهين التي لا خلف فيها ولا اعتراض (٢) ، وروينا من غيث أنامله الهتون ، وروينا عنه مسند أحمد حسن الأسانيد والمتون ، وحثّنا على العود والرجوع ، وكان أجدى من الماء الزلال لذي ظمإ والمشتهى من الطعام لذي سغب وجوع : [الوافر]
وأشهى في القلوب من الأماني |
|
وأحلى في العيون من الهجوع (٣) |
وجلا بنوره ظلام استيحاشي ، وحشر إليّ أشتات المسرّات دون أن يحاشي (٤) ، ووجدني في مكابدة شغوب ، وأشغال أشربت الكسل واللّغوب (٥) ، وحيّرت الخواطر ، وصيّرت سحب الأقلام غير مواطر ، فزحزح عنّي الغموم وسلّاني ، وأولاني. شكر الله صنيعه!. من المسرّات ما أولاني : [البسيط]
__________________
(١) المطال ـ بكسر الميم ـ مصدر ماطل. التسويف في دفع الدين وتأخيره.
(٢) في ب : ولا افتراض.
(٣) الهجوع : النوم والرقاد.
(٤) يحاشي : يستثني.
(٥) اللغوب : الضعف.