ثم قال بعد قوله : «وحد الإخفات إسماع نفسه تحقيقا أو تقديرا» ولا بد من زيادة قيد آخر وهو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمن إخفات الصوت وهمسه وإلا لصدق هذا الحد على الجهر ، وليس المراد إسماع نفسه خاصة لأن بعض الإخفات قد يسمعه القريب ولا يخرج بذلك عن كونه إخفاتا. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : واعلم ان الجهر والإخفات كيفيتان متضادتان لا يجتمعان في مادة كما نبه عليه في النهاية ، فأقل السر ان يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا وأكثره ان لا يبلغ أقل الجهر ، وأقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا ، وأكثره ان لا يبلغ العلو المفرط وربما فهم بعضهم ان بين أكثر السر وأقل الجهر تصادقا وهو فاسد لأدائه إلى عدم تعيين أحدهما لصلاة لإمكان استعمال الفرد المشترك حينئذ في جميع الصلوات وهو خلاف الواقع لان التفصيل قاطع للشركة. انتهى.
وظاهر كلام هذين الفاضلين أنه لا بد في صدق الجهر وحصوله من اشتمال الكلام على الصوت وهذا هو منشأ الفرق بين الجهر والإخفات ، فإن اشتمل الكلام على الصوت سمى جهرا اسمع قريبا أو لم يسمع وان لم يشتمل عليه سمي إخفاتا كذلك. وبنحو ما ذكره الفاضلان المذكوران صرح المحقق الأردبيلي (قدسسره) والظاهر انه قول كافة من تأخر عنهما.
وفيه من المخالفة لكلام أولئك الفضلاء ما لا يخفى فإنهم ـ كما عرفت ـ جعلوا أقل مراتب الجهر ان يسمع من قرب منه اشتمل على صوت أو لم يشتمل وان الإخفات عبارة عن إسماع نفسه اشتمل على صوت أو لم يشتمل وادعى الفاضلان على ذلك الإجماع كما تقدم ، واللازم من ذلك ان من قرأ في الصلوات الإخفاتية بحيث يسمعه من قرب منه وان لم يشتمل على صوت فان صلاته تبطل بذلك وهو صريح كلام ابن إدريس كما تقدم ، مع ان صريح كلام هؤلاء المتأخرين هو انه متى كان كذلك فإن الصلاة صحيحة.