أقول : لقد أجاد في هذا الكلام الأخير بما أفاد وطابق السداد لكنه ناقض نفسه في ما صدر به الكلام وأيده بما استحسنه من كلام الذكرى في ذلك المقام وكذا بما ذكره بعد ذلك في مسألة مقارنة النية حيث احتذى حذو أولئك الاعلام.
وتوضيح ذلك ان مقتضى كلامه الأول الذي في صدر البحث أنه لا بد من إحضار المنوي أولا في الذهن بجميع مميزاته عن غيره فإذا احضر قصد إلى إيقاعه تقربا إلى الله تعالى ، ولا ريب في مدافعته لما ذكره أخيرا بقوله «وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعية. إلى آخر الكلام» فان مقتضى الكلام الأول كما عرفت انه لا بد لقاصد الصلاة عند التكبير من إحضار ذاتها وتصورها وتصور صفاتها التي يتوقف عليها التعيين ثم القصد بعد ذلك إلى فعل هذا المعلوم طاعة لله ، فلا بد على هذا من زمان يحصل فيه هذا التصور والاستحضار وملاحظة المميزات وتخليصها من شباك وساوس إبليس وما يوقعه في ذلك الوقت من الوسوسة والتلبيس حتى يكبر بعده ، واين هذا من مقتضى الكلام الأخير من ان النية أمر جبلي لا ينفك عنه العاقل حتى لو كلف الله العمل بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق ، ثم أيد ذلك بعدم ذكر النية في كلام المتقدمين وكذا في الأخبار؟ وعلى هذا فأين ما ذكره أولا من وجوب إحضار المنوي في ذلك الوقت واين تصوره وتصور مميزاته ثم القصد اليه وانه لا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بعد هذه التصورات ونحوها مما اعترف أخيرا بأنه من الخرافات؟ وبالجملة فإن ظاهر كلامه الأخير يعطي ان ما ذكره أولا من جملة تلك الخرافات التي أشار إليها وان كانت أقل مما ذكره غيره.
وتحقيق هذا المقام بما لا يحوم حوله النقض والإبرام وان تقدم في كتاب الطهارة كما أشرنا اليه إلا انه ربما تعذر على الناظر في هذا المقام الرجوع اليه لعدم وجود الكتاب عنده مع ان ما ذكرناه هنا فيه مزيد إيضاح على ما تقدم :
فنقول وبالله سبحانه الثقة والهداية لإدراك المأمول ونيل المسؤول : لا ريب ان أفعال العقلاء كلها من عبادات وغيرها لا تصدر إلا عن تصور الدواعي الباعثة على الإتيان