خليل الله صاحب نمرود الذي جمع لإبراهيم الحطب والنار ليحرقه بها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأنجاه منها ، أخبرك ايها العزيز انا أهل بيت قديم لم يزل البلاء سريعا إلينا من الله ليبلونا بذلك عند السراء والضراء ، وان مصائبي تتابعت على منذ عشرين سنة ، أولها انه كان لي ابن سميته يوسف وكان سروري من بين ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي وان اخوته من غير امه سألونى ان أبعثه معهم يرتع ويلعب ، فبعثته معهم بكرة وانه جاؤنى عشاء يبكون وجاؤنى (عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ، فزعموا ان الذئب أكله فاشتد لفقده حزني وكثر على فراقه بكائي حتى ابيضت عيناي من الحزن ، وانه كان له أخ من خالته وكنت له معجبا عليه رفيقا وكان لي أنيسا ، وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته الى صدري فيسكن بعض ما أجد في صدري وان اخوته ذكروا لي انك أيها العزيز سألتهم عنه وأمرتهم ان يأتوك به وان لم يأتوك به منعتهم الميرة لنا من القمح من مصر فبعثته معهم ليمتاروا لنا قمحا فرجعوا الى وليس هو معهم ، وذكروا انه سرق مكيال الملك ، ونحن أهل بيت لا نسرق وقد حبسته وفجعتني به ، وقد اشتد لفراقه حزني حتى تقوس لذلك ظهري ، وعظمت به مصيبتي مع مصائب متتابعات على ، فمن على بتخلية سبيله وإطلاقه من محبسه ، وطيب لنا القمح واسمح لنا في السعر ، وعجل بسراح آل يعقوب (١).
فلما مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه نزل جبرئيل على يعقوب فقال له : يا يعقوب ان ربك يقول لك : من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها الى عزيز مصر؟ قال يعقوب : بلوتنى بها عقوبة منك وأدبا ، قال الله : فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد غيري؟ قال : يعقوب اللهم لا ، قال : فما استحييت منى حين شكوت مصائبك الى غيري ولم تستغث بى وتشكو ما بك الى؟ فقال يعقوب : أستغفرك يا الهى وأتوب إليك وأشكو بثي وحزني إليك ، فقال الله تبارك وتعالى : قد بلغت بك يا يعقوب وبولدك الخاطئين العناية في أدبى ، ولو كنت يا يعقوب شكوت مصائبك الى عند نزولها بك واستغفرت وتبت الى من ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إياها عليك ، ولكن الشيطان أنساك ذكرى فصرت الى القنوط من رحمتي ، وانا الله الجواد الكريم أحب عبادي المستغفرين
__________________
(١) سمح بكذا : جاد. والسراح : التسهيل والإطلاق.