فطرته زمنا ، ويهش إلى كلام الوعّاظ والحكماء والصالحين ويكرمهم ويعظمهم ويودّ طول بقائهم.
فإذا ساورته الشهوة السيئة فزينت له ارتكاب المفاسد ولم يستطع ردها عن نفسه انصرف إلى سوء الأعمال ، وثقل عليه نصح الناصحين ، ووعظ الواعظين على مراتب في كراهية ذلك بمقدار تحكم الهوى في عقله.
ولهذا كان الأصل في الناس الخير والعدالة والرشد وحسن النية عند جمهور من الفقهاء والمحدّثين.
وجملة : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) معطوفة على جملة : (خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) فهي في حيّز القسم.
وضمير الغائب في قوله : (رَدَدْناهُ) عائد إلى الإنسان فيجري فيه الوجهان المتقدمان من التعريف.
و (ثُمَ) لإفادة التراخي الرّتبي كما هو شأنها في عطف الجمل ، لأن الرد أسفل سافلين بعد خلقه محوطا بأحسن تقويم عجيب لما فيه من انقلاب ما جبل عليه ، وتغيير الحالة الموجودة أعجب من إيجاد حالة لم تكن ، ولأنّ هذه الجملة هي المقصود من الكلام لتحقيق أن الذين حادوا عن الفطرة صاروا أسفل سافلين.
والمعنى : ولقد صيرناه أسفل سافلين ، أو جعلناه في أسفل سافلين.
والرد حقيقته إرجاع ما أخذ من شخص أو نقل من موضع إلى ما كان عنده ، ويطلق الرد مجازا على تصيير الشيء بحالة غير الحالة التي كانت له مجازا مرسلا بعلاقة الإطلاق عن التقييد كما هنا.
و (أَسْفَلَ) : اسم تفضيل ، أي أشدّ سفالة ، وأضيف إلى (سافِلِينَ) ، أي الموصوفين بالسفالة. فالمراد : أسفل سافلين في الاعتقاد بخالقه بقرينة قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [التين :٦].
وحقيقة السفالة : انخفاض المكان ، وتطلق مجازا شائعا على الخسة والحقارة في النفس ، فالأسفل الأشد سفالة من غيره في نوعه.
والسافلون : هم سفلة الاعتقاد ، والإشراك أسفل الاعتقاد فيكون (أَسْفَلَ سافِلِينَ)