الاستصحاب. وهو مبني على غض النظر عن دعوى الورود المتقدمة.
وقد ذهب إلى ذلك شيخنا الأعظم قدّس سرّه بدعوى : أن دليل حجية الأمارة في ظرف الشك يقتضي رفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف ، ومنها الاستصحاب. قال : ـ بعد بيان ضابط الحكومة ـ «ففيما نحن فيه إذا قال الشارع : اعمل بالبينة في نجاسة ثوبك ، والمفروض أن الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب ، فإن الشارع حكم في دليل وجوب العمل بالبينة برفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف للبينة التي منها استصحاب الطهارة».
لكن لا يخفى أن مجرد حكم الشارع بوجوب العمل بالبينة لا يقتضي رفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف ـ ومنها الاستصحاب ـ إلا بلحاظ منافاة العمل بالبينة لتلك الآثار ، فلو فرض عدم التنافي لم ينهض برفعها.
وهذا وحده لا يكفي في الحكومة قطعا ، لجريانه في جميع موارد تعارض الأدلة ، لوضوح أن دليل حجية كل دليل لما كان مقتضيا للعمل به كان منافيا للعمل بالدليل المعارض له ، فيستلزم رفع اليد عن وجوب العمل به الذي هو من آثار قيامه ، فإذا حكم الشارع بمقتضى عدم نقض اليقين بالشك بوجوب البناء على طهارة الثوب ، فحيث كان ذلك منافيا لوجوب البناء على نجاسته ، الذي هو من آثار قيام البينة لزم منه رفع اليد عن الوجوب المذكور.
نعم ، إذا كان مفاد دليل البينة إلغاء احتمال الخلاف ادعاء ، وتنزيله منزلة العدم ، لتنزيلها منزلة العلم اتجهت دعوى الحكومة في المقام ، لأن ارتفاع موضوع أحد الدليلين أو تحققه تنزيلا بسبب الآخر موجب عندهم لحكومة الثاني على الأول ، كما يقتضي تقدمه عليه في الجملة ـ على ما يأتي الكلام فيه في محله من مباحث التعارض إن شاء الله تعالى ـ كما هو الحال في مثل : لا شك لكثير الشك ، والمطلقة رجعيا زوجة وعلى هذا جرى بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه في المقام.