ولا مجال لمقايسة المقام بالأمارة ، لوضوح أنه لم يؤخذ في موضوع الأمارة الشك شرعا ، ليمكن دعوى أن المراد به الشك من جميع الجهات ، المرتفع بمقتضى الأصل.
غاية الأمر استحالة جعلها مع العلم بالحكم الواقعي ، للزوم اللغوية ، ومن الظاهر عدم كون الأصل موجبا له ، كي يتوهم مانعيته عن حجيتها.
الثاني : أن العلم المجعول غاية في بعض أدلة الأصول والرافع لموضوعها حسبما يستفاد عرفا من أدلتها لم يؤخذ بما هو صفة خاصة ، بل بنحو الطريقية بلحاظ كونه منشأ للبناء على متعلقه وإحرازه ، والاستصحاب يقوم مقامه في ذلك ، لأنه أصل إحرازي ، على ما أشرنا إليه في استصحاب مؤدى الأصل وأوضحناه في مباحث القطع الموضوعي. فراجع.
ويشكل .. أولا : بأن هذا ـ لو تم ـ لم ينفع في تقديمه على مثل أصالتي الحل والطهارة مما يتضمن التعبد بالحكم وإحرازه كالاستصحاب ، لما تقدم من أن اليقين الرافع للاستصحاب لم يؤخذ بنحو الصفتية ، بل بنحو الطريقية أيضا ، فيقوم مقامه الطرق والأصول الإحرازية ، فكما يصلح الاستصحاب لرفع موضوع مثل هذين الأصلين يصلحان هما لرفع موضوعه ، فلا بد في تقديمه من وجه آخر.
نعم ، ينفع في مثل أصل البراءة والاحتياط عند الأخباريين مما لم يتضمن إلا الرفع والسعة ، أو الضيق بالاحتياط ، في مقام العمل ، من دون يقتضي التعبد والإحراز المستتبعين للبناء العملي على التكليف أو عدمه ، فلا ينهض برفع موضوع الاستصحاب ، بل يتعين العكس لا غير.
وثانيا : بأنه يصعب إثبات كون العلم الرافع لموضوع الأصول المذكورة مأخوذا بنحو الطريقية ، لا بنحو الصفتية ، لمخالفته لمقتضى الجمود على لفظ العلم من دون قرينة واضحة على ذلك.