وقد يدعى مخالفة النسخ لأصالة الجهة في الحكم المنسوخ ، لرجوعه إلى كون الحكم المنسوخ من أصله أو باستمراره صوريا حقيقيا ، لعدم كونه ناشئا عن ملاك في متعلقه ، إذ مع فرض الملاك يمتنع نسخ الحكم ، ومع عدمه يمتنع جعل حكم حقيقي إلا لخطأ الحاكم في تخيل ثبوته ، ومع وضوح امتناع الخطأ على الشارع لا بد من كون الحكم المجعول صوريا خاليا عن المصلحة في المتعلق وإن كان هناك مصلحة في نفس جعله من امتحان أو نحوه ، وهو خلاف أصالة الجهة في الكلام المعول عليها في كل مقام.
لكن أصالة الجهة مختصة بالأدلة اللفظية ، وقد يكون دليل الحكم الذي يطرؤه النسخ لبيا.
مع أنا ذكرنا في محله أن كون الحكم خاليا عن الملاك في المتعلق لا ينافي أصالة الجهة ولا يجعله صوريا ، لأن أصالة الجهة إنما تنهض بإثبات كون الكلام مسوقا لبيان المراد الجدي الحقيقي لا بداع آخر من هزل أو خوف أو نحوهما مما لا يصلح لإحداث الداعي للعمل ، ولا تقتضي صدور الحكم عن ملاك في متعلقه.
كما أن المعيار في كون الحكم حقيقيا صالحا لإحداث الداعي للعمل صدوره بداعي جعل السبيل ـ الذي هو نحو من الاعتبار من الحاكم خفيف المئونة عليه ـ وإن لم يكن عن ملاك في المتعلق.
ولزوم صدور الحكم عن ملاك فيه أو في متعلقه مما يحكم به العقل تنزيها للمولى عن العبث ، ولا دخل لظهور الكلام ولا لأصالة الجهة به ، ولذا لا تسقط أصالة الظهور أو الجهة في الكلام لو علم تعرّض الحكم للنسخ ولم يعلم وقته.
ومن هنا كان التحقيق أن الحكم المنسوخ كغيره حقيقي جدي صادر بداعي جعل السبيل وإن لم يكن عن ملاك في المتعلق ، بل عن مصلحة في نفس