أما من الحيثية الثانية فلا محرز للصحة ، لعدم التلازم بين الحيثيتين في التعبد بها ، فلا مجال للبناء على فراغ ذمة المنوب عنه ، بل لا بدّ من إحراز صحة العمل لاجل ذلك بطريق آخر ، كاخبار الفاعل ونحوه من عدالته أو ثقته.
ولا يخلو ما ذكره عن غموض ، لعدم تعرضه لوجه الفرق بين الحيثيتين في جريان قاعدة الصحة. إلا أنه لا يبعد ـ بعد النظر في كلام بعض أعاظم شراح كلامه المؤيد ببعض فقرات منه ـ أن يكون نظره في الفرق إلى أنه لما كان موضوع قاعدة الصحة هو فعل الغير لا فعل الإنسان نفسه فلا مجال للمنوب عنه أن يجريها في حق نفسه لأجل إحراز فراغ ذمته ، لأن فراغ ذمته بفعل النائب إنما هو بتوسط انتساب فعله له ، لا للنائب ، بخلاف استحقاق النائب الاجرة ، فإنه من آثار انتساب الفعل للنائب ، فموضوع الأثر المذكور هو فعل الغير الذي هو مجرى القاعدة. وكذا سقوط التكليف الكفائي عن ذمة المكلف بفعل غيره ، فإنه لا يتوقف على انتسابه له ، بل يكفي فيه انتسابه للمباشر.
ولعله لذا ذكر قدس سرّه أن الوجه المذكور لا يجري في استئجار الولي للعمل عن الميت ، حيث لا يعتبر في براءة ذمة الميت انتساب الفعل للولي المكلف بابراء ذمة الميت ، بل يكفي فيه انتسابه للميت ، فيكون موضوع الأثر في حق الولي هو فعل الغير من حيث هو فعل الغير ، فتشمله القاعدة.
وعلى هذا ، فغاية ما يمنع منه هذا الوجه هو رجوع المنوب عنه للقاعدة ، لا رجوع غيره ممن يتعلق غرضه ببراءة ذمة المنوب عنه ، كالولي والوصي والوارث.
لكنه يندفع ..
أولا : بأن أخذ خصوصية فعل الغير في موضوع القاعدة مستفاد من الارتكاز الذي تبتني عليه السيرة ، والظاهر منه أن الموضوع هو فعل الغير بالمباشرة ، وإن كان فعلا للنفس بالتسبيب ، وليس مستفادا من دليل لفظي كي