المعاني المحسوسة التي تخضع للتجربة؟! فإن لم تكن كذلك ، كانت النتيجة محاولة لإبطال الدليل العقلي بالدليل العقلي. وفي هذا تأكيد وتأييد للفكرة التي تؤمن بوجود دليل غير التجربة كأساس للإيمان والقناعة الفكرية والوجدانية.
ثانيا : إن الحسّ والتجربة لا يصلحان أساسا للمعرفة بشكل عام من دون ضمّ المقدّمات العقلية ، لأن التجربة محدودة بزمان ومكان معينين ، فلا تنتج إلا النتائج المحدودة بحجم التجربة ، أمّا في الإطار العام الذي يمتد خارج نطاقها في تجارب أخرى لم تحدث ، فلا مجال لاستكشاف أيّ شيء منها. فإذا أجرينا تجربة معينة وأدّت إلى نتيجة معينة ، ثم عاودنا التجربة مع نتيجة مماثلة وهكذا إلى ما شاء الله ، فإن المنطق الحسّي لا يسمح ـ من ناحية ذاتية ـ بأي حكم مماثل في ما يستحدث من تجارب ، لأنها لم تخضع للملاحظة بشكل مباشر. كما أننا إذا طرحنا القضية في حالة اختلاف التجربة الثانية عن التجربة الأولى ، فإننا لا نستطيع اكتشاف الخطأ من خلال ذلك ، لأن لكل منهما ، مثلا ، ظروفا محدّدة تجعل أية واحدة منهما خاضعة للحظة الزمنية التي عاشت فيها ؛ إذا ليس لأي من نماذج التجربة سعة تتجاوز نطاقها.
ولكن المنطق العقلي هو الذي يمدّ التجربة إلى المجال الواسع الذي يتجاوز الظروف الطارئة من الزمان والمكان. ولنضرب لذلك مثلا : لو واجهنا قانونا علميا مثل « الحركة تولّد الحرارة » من خلال مليون تجربة لحالة الحركة ، فلا نستطيع الإقرار بالقانون العلمي بصفته الشاملة الممتدة إلا على أساس أحكام عقلية مجرّدة مثل حكم العقل « بأنّ حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لا يجوز واحد » ؛ والذي يعني أن الأشياء المتماثلة في الخصائص وفي الظروف تكون مماثلة في النتائج ، ومثل حكم العقل « بأن الواحد لا يصدر عن متعدد » أو « أن الواحد لا يصدر إلا عن واحد » ، وقاعدة « أن الشيء لا يصدق في حالة صدق نقيضه » ... فلو لا ضمّ هذه القواعد العقلية المسلم بها ، لما استطعنا أن