وربما كان هذا أحد الأسباب التي أقعدت الإنسان المسلم في العصور الماضية عن التقدم في اتجاه فهم الكون من خلال فهم القوانين المتحكّمة في مسيرته ، وساهمت في تكوين الشخصية الغيبية ، ذات العقل الغيبي والمشاعر الغيبية ، التي تبحث في الماضي والحاضر عن خطوات الغيب ، وتواجه المستقبل بتطلعات غيبية ، تفسح في المجال للكهان والمتنبئين للّعب بعواطف الناس ومشاعرهم من خلال عمليات « فتح الفال » وغيرها. حتى أننا رأينا الكثيرين من السياسيين وغيرهم ممن يهمهم أمر معرفة مستقبلهم السياسي والعاطفي ، يتجهون إلى العجائز أو الفلكيين الذين يدّعون معرفة الغيب ويتاجرون بها ليعرفوا منهم تطورات المستقبل.
إننا لا نؤمن بحركة الإيمان بالغيب في مثل هذه المساحة الواسعة من حياة الناس العامة والخاصة ، بل نؤمن بالغيب الذي يربطنا بالله في مجال محدود ، ولذا نرى الإسلام يشنّ حملة شديدة على الكهان والكهانة والتنجيم والمنجمين لإبعاد العقلية الغيبية عن واقع الفكر والحياة ، ولإبقاء الإيمان بالغيب في منطقة العقيدة عالما يعيش في داخل الذات ، ليطوف بالإنسان في بعض مجالات حياته ، بعيدا عن الاستغراق في المادة العمياء ، التي لا تفتح عينيها على الآفاق الواسعة المنطلقة أبدا مع الله ، لكيلا يتجمد الإنسان عند حدود الأمل الضيق الذي تسمح به ظروفه الخاصة المحدودة.
إننا قد نؤمن بالغيب بشكل جريء في كثير من الحالات التي لا نفهمها ، أو ربما نتمرد ـ في وعينا ـ على بعض القوانين الطبيعية التي قد يكون لها جانب غيبي ، لأننا نعتقد بأن الحياة لا تخضع دائما للتفسيرات المادية ، فقد تحدث في حياة كل منا أشياء غيبية في عالم الرزق أو الصحة أو غير ذلك ، فيشفى بعض المرضى نتيجة التوسل لله ، بنبيّ أو وليّ ، أو بسبب دعاء أو عمل عبادي ، في جو نفسي معين قد لا ينسجم مع التفسير النفسي العملي.