لأنه إنما كان له بقدرته تعالى ، وبما هيّأ له من الأسباب والوسائل ، ورفع من طريقه العقبات والموانع ، ولذا عليه أن يشعر بأن العطاء ، وظيفة ومسئولية لا تفضلا ومنّة. فالإنسان مؤتمن على ما ملّكه الله تعالى ومكنه منه ، وبالتالي على أن يدبره ويديره ويتصرف به وفق مشيئة مالكه الحق ، أي الله سبحانه وتعالى.
وبذلك يتصاعد الإيحاء ، في لفتة رائعة ، تنسب المال إلى مصدره الأساس وهو الله ، ليدرك أنه لا ينفق مما يختص به ، أو يملكه ملكا ذاتيا حتى يعيش أنانية العطاء ، بل ينفق مما رزقه الله. ويتسع الإيحاء في ربط الإنفاق بمصدر العطاء الذي هو الله ، ليعتبر الإنسان أنه مسئول عن كل ما رزقه الله من رزق ليعطيه وينفق منه على أساس المسؤولية ، فليس حرا في أن يفعل به ما يريد كما يريد. وقد نلتقي ببعض الأحاديث المأثورة التي تستوحي من الآية الفكرة التي تمتد بالإنفاق إلى ما هو أبعد من المال ، فتتسع المسؤولية لتشمل كل طاقة يملكها الإنسان مما يحتاج إليه الآخرون ، فقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام في مقام تطبيق الآية : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) قال : وممّا علمناهم يبثون » (١). وفي حديث آخر : « وما علمناهم من القرآن يتلون » (٢) ، ومن الطبيعي أن الإمام الصادق عليهالسلام لا يريد أن يحصر مدلول الآية في إنفاق العلم ، لأن مجالها اللغوي أوسع من ذلك ، ولأن الآيات القرآنية الكثيرة الواردة في أمثال هذا السياق ظاهرة في المال أو في ما هو أوسع من المال ... ولكن الظاهر أنه يريد الإيحاء ، للذين يفهمون منها المال ، أنها تشمل العلم كأسلوب من أساليب التوجيه والتنبيه للآخرين الذين يملكون العلم ولا يبثونه في من يحتاج إليه ، على اعتبار أن هذه الصفة من السمات البارزة للشخصية الإيمانية ، وهذا ما استوحيناه من سعة المدلول القرآني.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١ ، ص : ٥٠.
(٢) م. ن ، ج : ١ ، ص : ٥٠.