إن هذه الفئة هي التي لا ينفع معها الترغيب ولا الترهيب ، ويستوي في حالتها الإنذار وعدمه ، لأنها غير مستعدة لسماع آيات الله ، وللتفكير في ما تدعو إليه ، وغير مستعدة لا لاستعمال أبصارها في ما يحيط بها من دلائل عظمة الله سبحانه في الكون العظيم ، لتحصل ، من ذلك ، على وسائل القناعة والإيمان.
ولعل من الطبيعي أن تكون التجربة المستمرة في الدعوة منطلقة في حياة أولئك الذين يشعرون بمسؤوليتهم تجاه أنفسهم وتجاه ربّهم في قضية الإيمان والكفر ، على أساس أنها تمثل قضية المصير في الدنيا والآخرة ، مما يدفعهم إلى مزيد من التفكير والاهتمام ، بينما النموذج الذي تشير إليه الآية تبدو دعوته نوعا من الجهد الضائع ، لأن أفراده هم الذين لا يسمحون للعيون بأن تحدّق في الكون ، وللأسماع بأن تستلهم قضايا الفكر والإيمان ، وللقلوب بأن تفكر وتحاكم وتناقش ، وبالتالي أقفلت كل منافذ الإيمان والوعي.
ونحن نعلم أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جرّب هداية هذه الفئة أكثر من مرّة بمختلف الوسائل والأساليب ، ولم يتراجع عن تجربته أمام حالات الكفران والجحود والضغط النفسي والمعنوي الذي وجّهوه إليه ، انطلاقا من القاعدة الإسلامية الأساسية التي تحكم عمل الدعوة ، في سلوك كل الطرق الممكنة للوصول إلى عقل الإنسان وتفكيره وشعوره للحصول على قناعته الإيمانية.
ولكن القضية أصبحت تمثل جهدا ضائعا لا يصل إلى أية نتيجة ملموسة ، لأن القوم قد حدّدوا موقفهم على أساس العناد والمكابرة ، لا على أساس الفكر والإيمان ، ولذلك جاءت هذه الآية لتحدد للرسول الموقف الحاسم من هؤلاء ، ولتدعوه إلى عدم مواصلة التجربة التي أثبتت عقمها ، لينطلق بجهوده إلى مجال آخر ، تنفتح فيه الدعوة على جماعة آخرين يفتحون قلوبهم للإيمان ، وعيونهم للصراط المستقيم ، وأسماعهم للكلمات النافعة.