ذلك » (١).
الاتجاه الثاني : الذي يرتكز على الفكرة الإسلامية التي أوضحها أئمة أهل البيت عليهمالسلام في القول المأثور عنهم : « لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين بين » ... الذي يجعل أفعال العباد منسوبة إليهم من جهة ، باعتبار صدورها منهم بالمباشرة والإرادة والاختيار ، ومنسوبة إلى الله من جهة ، باعتبار أن الله هو السبب الأعمق في كل شيء لأنه هو الذي يهب العباد القدرة ، ويستطيع أن يمنعها عنهم ، وهو الذي سخر لهم كل ما لديهم وما حولهم مما يستخدمونه في المعصية أو في الطاعة من دون أن يتدخل في عملية الاختيار.
وبذلك تصح نسبة الفعل إلى الله ، لأن له مدخلية في حصوله ولو بلحاظ كثير من مقدماته ، ففي مثل هذا المورد ، يمكن أن يقال إن الله قد ركّب الإنسان على وضع معين ، بحيث إذا اختار الإنسان الكفر وأصرّ عليه ، أغلق قلبه وسمعه عن سماع أية كلمة للإيمان ، وأغشى بصره عن الرؤية ... فالفعل يبدأ من اختيار الإنسان وينتهي إلى هذه النتيجة من موقع الاختيار ، ولكن عملية التسبب خاضعة للقوانين التي أودعها الله في وجود الإنسان الذي ترتبط فيها النتائج بمقدماتها.
ومن الطبيعي ، أن مثل هذه النسبة لا تدخلنا في دائرة الجبر ، ولا تسلبنا عملية الاختيار ، لأنها تنطلق من موقع حرية الإرادة التي تتحرك ضمن القوانين الطبيعية للحياة والإنسان ، وبالتالي ، لا تستلزم نسبة القبح إلى الله من قريب أو من بعيد.
أما لماذا انطلق القرآن في هذا الأسلوب الذي ينسب كل شيء إلى الله ، مما يدخل الإنسان في كثير من الأوهام والشبهات التي تبحث عن جواب وعن
__________________
(١) الزمخشري ، أبو القاسم ، جار الله ، محمود بن عمر ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، دار الفكر ، ج : ١ ، ص : ١٥٧ ـ ١٦٠.