يُؤْمِنُونَ)، لأن مسألة حركية الإنذار في انفتاح العقل على الإيمان لا ترتبط بمضمون الإنذار ، بل بإرادة الإنسان في سماعه ، وفي التفكير به ، واستعداده النفسي للانفعال بمعانيه وإيحاءاته ، أما الإنسان الذي يفقد هذه الإرادة ، وذلك الاستعداد ، فإن الإنذار وعدمه سواء عنده ، لأن قراره عدم الإيمان ، بعيدا عمّا إذا كان ذلك حقا أو باطلا ، لأنها مسألة عصبية لا مسألة اختيار عقلي منفتح على المعرفة الواسعة.
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) فقد أغلقوا قلوبهم عن الحق فلم يسمحوا لها بالتفكير فيه وإدارة الحوار حوله ، وأعرضوا عن الإقبال عليه أو قبوله ، عنادا واستكبارا وتمرّدا ، فلم تبق هناك وسيلة لنفاذ الحق إلى داخلهم ، كما أنهم أغلقوا أسماعهم عن سماع كلماته ، تعقيدا واستنكارا ، فلم ينفذ إليها شيء منها.
(وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) فهم لا ينظرون إلى آيات الله في الكون ، ولا ينفتحون على مظاهر العظمة والإبداع فيه ، ليكتشفوا بذلك توحيده ، تماما كما لو كان هناك غطاء يغطي أبصارهم ويحجب عنهم وضوح الرؤية للأشياء.
وهكذا تلتقي الإرادة الإنسانية السلبية تجاه الحق ، والإيجابية تجاه الباطل ، لتتحول إلى حالة انغلاق فكري للعقل ، وحسي للسمع والبصر ، بحيث ينفصل الإنسان عن الحقيقة في جميع مجالاتها.
(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) لأن الله أقام الحجة عليهم بدلائله وبراهينه ، فلم ينفتحوا عليها أو يلتزموا بها ، فكان كفرهم حركة تمرد وعصبية وجحود ، فاستحقوا به العذاب العظيم الذي انطلقت عظمته من خطورة الانحراف الأعظم الذي يتصل بالاستكبار على الله ، والكفر به ، وإنكار وحدانيته.
* * *